عنوان الفتوى : يضعون الماء ليلا تحت النجوم لأجل العلاج
عندنا عادة منتشرة في منطقتنا ، وهي : أنه إذا مرض الولد يضعون ماء مع تراب في الخارج تحت النجوم ، يعني "تنجيم " ، وفي الصباح يحممون الولد بها ، فما قول الشرع في هذا؟
الحمد لله
ما سألت عنه هو من الأوهام والخرافات التي ليس لها مستند من الشرع ، ولا من الطب
التجريبي الذي يعرفه الناس ؛ فلهذا يجب على المسلم تجنب هذا التصرف ونحوه ، مما
يكون مبناه عادة على الأوهام ، أو الاعتقادات الفاسدة .
وقد حثّ الشرع على مباشرة الأسباب ، ومنها أسباب الشفاء .
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ ، قَالَ : " أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ ،
فَسَلَّمْتُ ثُمَّ قَعَدْتُ ، فَجَاءَ الْأَعْرَابُ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا ،
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنَتَدَاوَى ؟ فَقَالَ : ( تَدَاوَوْا فَإِنَّ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً ، غَيْرَ
دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ ) .
رواه أبوداود (3855) ، والترمذي (2038) وقال : وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
لكن هذا التداوي المأمور به ، إنما يكون بالأدوية التي ثبت بالشرع ، أو بالتجربة
الطبية : أنها أدوية نافعة ، معلوم للناس أمرها .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
" وفي الأحاديث الصحيحة : الأمر بالتداوي وأنه لا ينافي التوكل ، كما لا ينافيه دفع
داء الجوع والعطش ، والحر ، والبرد بأضدادها ، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة
الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدرا وشرعا " انتهى من " زاد المعاد "
(4 / 14) .
ولهذا جاء النهي مثلا عن لبس الحلقة والتمائم ، والتعلق بالأنواء ، ونحو هذا مما
ليس بسبب ؛ لأن في جعل الشيء سببا من غير دليل من الشرع ، أو من الواقع : يعتبر
كذبا ، وطريقا لتعظيم هذه الاشياء ، وهذه هي ذرائع الشرك التي يجب سدها ، ووسائله
التي يحرم التسبب فيها ، والأخذ بها .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
" اعلم أن الدواء سبب للشفاء ، والمسبب هو الله تعالى ، فلا سبب إلا ما جعله الله
تعالى سببا، والأسباب التي جعلها الله تعالى أسبابا نوعان:
النوع الأول: أسباب شرعية كالقرآن الكريم والدعاء ...
النوع الثاني: أسباب حسية كالأدوية المادية المعلومة عن طريق الشرع ، كالعسل ، أو
عن طريق التجارب ، مثل كثير من الأدوية ، وهذا النوع لا بد أن يكون تأثيره عن طريق
المباشرة ، لا عن طريق الوهم والخيال ...
أما إذا كان مجرد أوهام وخيالات يتوهمها المريض ، فتحصل له الراحة النفسية بناء على
ذلك الوهم والخيال ، ويهون عليه المرض وربما ينبسط السرور النفسي على المرض فيزول ،
فهذا لا يجوز الاعتماد عليه ، ولا إثبات كونه دواء ؛ لئلا ينساب الإنسان وراء
الأوهام والخيالات ، ولهذا نُهي عن لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع المرض أو دفعه ؛
لأن ذلك ليس سببا شرعيا ولا حسيا ، وما لم يثبت كونه سببا شرعيا ولا حسيا ، لم يجز
أن يجعل سببا ؛ فإن جعله سببا نوع من منازعة الله تعالى في ملكه ، وإشراك به ، حيث
شارك الله تعالى في وضع الأسباب لمسبباتها " انتهى من " فتاوى ورسائل ابن عثيمين "
(1 / 110 – 111) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى :
" فإذا كانت هذه الأمور ليست من الأسباب الشرعية التي شرعها على لسان نبيه ، التي
يتوسل بها إلى رضاء الله وثوابه ، ولا من الأسباب القدرية التي قد علم أو جرب نفعها
، مثل الأدوية المباحة ، كان المتعلق بها ، متعلقا قلبه بها ، راجيا لنفعها ،
فيتعين على المؤمن تركها ليتم إيمانه وتوحيده ؛ فإنه لو تم توحيده ، لم يتعلق قلبه
بما ينافيه ، وذلك أيضا نقص في العقل ، حيث تعلق بغير متعلَّق ولا نافع بوجه من
الوجوه ، بل هو ضرر محض .
والشرع مبناه على تكميل أديان الخلق بنبذ الوثنيات والتعلق بالمخلوقين ، وعلى تكميل
عقولهم بنبذ الخرافات والخزعبلات ، والجد في الأمور النافعة المرقية للعقول ،
المزكية للنفوس ، المصلحة للأحوال كلها دينيها ودنيويها والله أعلم " .
انتهى من " القول السديد / المجموعة الكاملة لمؤلفات السعدي " (10 / 19) .
ثانيا :
هذا التصرف فيه مشابهة بأفعال عبدة النجوم والكواكب بالتوجه إليها واعتقاد نفعها ،
ولا يجوز للمسلم أن يفعل ما فيه تشبه بالمشركين كما سبق بيانه في الفتوى رقم :
(21694) .
كما أن فيه تعلق القلب بغير الله ، مما يضعف إيمان صاحبه ، وقد يقوى هذا التعلق حتى
يزيل الإيمان بالكلية .
وينظر الفتوى رقم : (10543) .
والله أعلم .