عنوان الفتوى : شيوخ العلامة الألباني وشرح مقولة من كان شيخه كتابه فخطؤه أكثر من صوابه

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

سؤلت من قبل شخص عزيز علي حول الإمام الألباني ، فهل أخذ الألباني رحمه الله علمه في الحديث عن علماء معرفين ؟ ومن هم؟ وإذا لم يأخذ عن علماء مسبوقين وإنما أخذ علمه بالقراءة والبحث ، فكيف يستقيم هذا القول مع الأثر الذي يقول: من كان شيخه كتابه ؛ كان خطؤه أكثر من صوابه ؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق


الحمد لله
أولا:
الشيخ الألباني رحمه الله علم من أعلام هذا العصر، خاصة في علم الحديث ، وقد أثنى عليه العلماء وشهدوا له بالعلم والفضل والإتقان ، وانظر: السؤال رقم : (113687) .
وأما شيوخه ، فقد أخذ عن جماعة الفقه والحديث واللغة، منهم:
1-والده الشيخ نوح الألباني، وقد أخذ عنه القرآن الكريم والنحو والصرف والفقه الحنفي.
2-الشيخ سعيد البرهاني ، وقد أخذ عنه الفقه الحنفي وبعض علوم اللغة.
3-العلامة بهجة البيطار، وكان يحضر مجالسه .
4- الشيخ محمد راغب الطباخ ، وله منه إجازة في الحديث.
5-الشيخ علي الطنطاوي ، وقد درس عليه أصول الفقه.
وينظر: كتاب "حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه "، لمحمد إبراهيم الشيباني، ص45 .
ثانيا:
لا يستغني عالم عن مراجعة الكتب والأخذ منها، لكنه يحتاج إلى الضبط والتأصيل في مبدأ طلبه للعلم ، ثم ينطلق بعد ذلك، وهذا ما كان للشيخ الألباني رحمه الله ولكثير من أهل العلم.
وهذه المقولة : "من كان شيخه كتابه ؛ كان خطؤه أكثر من صوابه" : صحيحة إن أريد بها من لم يتلق مباديء العلوم ، من أول أمره ، عن أهلها، أو من اعتمد على الكتب غير الموثوقة ، فإن هذا يكثر خطؤه .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: "ما رأي فضيلتكم في هذه العبارة التي تتردد على ألسنة كثير من طلبة العلم ، وهي: "من كان شيخه كتابه ضل عن صوابه"؟
فأجاب: المعروف أن من كان شيخه كتابه فخطؤه أكثر من صوابه، هذه هي العبارة التي نعرفها.
وهذا صحيح ، أن من لم يدرس على أهل العلم ، ولم يأخذ عنهم ، ولا عرف الطرق التي سلكوها في طلب العلم ، فإنه يخطئ كثيراً ، ويلتبس عليه الحق بالباطل؛ لعدم معرفته بالأدلة الشرعية، والأحوال المرعية التي درج عليها أهل العلم، وحققوها وعملوا بها.
أما كون خطئه أكثر، فهذا محل نظر، لكن على كل حال أخطاؤه كثيرة؛ لكونه لم يدرس على أهل العلم، ولم يستفد منهم، ولم يعرف الأصول التي ساروا عليها؛ فهو يخطئ كثيراً، ولا يميز بين الخطأ والصواب في الكتب المخطوطة والمطبوعة.
وقد يقع الخطأ في الكتاب، ولكن ليست عنده الدراية والتمييز، فيظنه صواباً؛ فيفتي بتحليل ما حرم الله ، أو تحريم ما أحل الله؛ لعدم بصيرته؛ لأنه قد وقع له خطأ في كتاب، مثلاً: لا يجوز كذا وكذا، بينما الصواب أنه يجوز كذا وكذا، فجاءت لا زائدة، أو عكسه يجوز كذا وكذا، والصواب ولا يجوز، فسقطت (لا) في الطبع أو الخط، فهذا خطأ عظيم.
وكذلك قد يجد عبارة ويصح كذا وكذا، والصواب ولا يصح كذا وكذا، فيختلط الأمر عليه؛ لعدم بصيرته، ولعدم علمه، فلا يعرف الخطأ الذي وقع في الكتاب، وما أشبه ذلك" انتهى.
http://www.binbaz.org.sa/fatawa/3311
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " هل يجوز تعلم العلم من الكتب فقط دون العلماء ، وخاصة إذا كان يصعب تعلم العلم من العلماء لندرتهم؟ وما رأيك في القول القائل: من كان شيخه الكتاب كان خطؤه أكثر إلى الصواب؟
فأجاب: لا شك أن العلم يحصل بطلبه عند العلماء ، وبطلبه في الكتب؛ لأن كتاب العالم هو العالم نفسه، فهو يحدثك من خلال كتابه، فإذا تعذر الطلب على أهل العلم، فإنه يطلب العلم من الكتب .
ولكن تحصيل العلم عن طريق العلماء أقرب من تحصيله عن طريق الكتب؛ لأن الذي يحصل عن طريق الكتب يتعب أكثر ويحتاج إلى جهد كبير جدًّا، ومع ذلك فإنه قد تخفى عليه بعض الأمور كما في القواعد الشرعية التي قعَّدها أهل العلم والضوابط، فلا بد أن يكون له مرجع من أهل العلم بقدر الإمكان.
وأما قوله: "من كان دليله كتابه فخطؤه أكثر من صوابه" ، فهذا ليس صحيحًا على إطلاقه ، ولا فاسدًا على إطلاقه :
أما الإنسان الذي يأخذ العلم من أيّ كتاب يراه فلا شك أنه يخطئ كثيرًا .
وأما الذي يعتمد في تعلُّمه على كتب رجال معروفين بالثقة والأمانة والعلم ، فإن هذا لا يكثر خطؤه ، بل قد يكون مصيبًا في أكثر ما يقول" انتهى من " كتاب العلم"، ص110 .

والشيخ الألباني رحمه الله درس مبادئ العلوم على مشايخه كما تقدم، وهو ذو نظر سديد ، وفهم ثاقب ، لا تلتبس عليه العبارات، واعتماده إنما هو على كتب أهل العلم الثقات .
ثم إنه قد التقى كثيرا من أهل العلم ، وناقشهم ، وذاكرهم، كالشيخ محمد الأمين الشنقيطي، والشيخ ابن باز رحمهما الله ، وغيرهما من أهل العلم، فليس من الوارد أن تنطبق هذه المقولة على مثله من أهل العلم والفضل .

والله أعلم..