عنوان الفتوى : شبهة أن الاحتفال بيوم الأم ليس عيدا ، وليس تشبها بالكافرين .

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

كيف نرد على من يقول بجواز عيد الأم ويستدل بالتالي: ما تصالح الناس على تسميته بـ (عيد الأم) يقومون بالتواصل مع أمهاتهم ، وتقديم الهدايا لهن فيه، ليس عيداً بالمفهوم الشرعي للعيد ، ولكنه يوم وفاء وتقدير للأمهات، حيث تعارف الناس في العالم كله على الاعتراف بجميل الأمهات ، وتكريم الأم بهذا اليوم بالمعنى السابق أمر تنظيمي عادي لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية التي تؤكد على معاني الوفاء والامتنان والشكر للوالدين في كل وقت وزمان ، قال الله تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) ، ونالت الأم الحظ الوافر من الأمر بحسن صحبتها والإحسان إليها، حيث قُدمت على الأب ، وكرر الأمر بالعناية بها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه ِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ ، قَالَ: ( أُمُّكَ ) ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟، قَالَ: (ثُمَّ أُمُّكَ ) ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ ، قَالَ: ( ثُمَّ أُمُّكَ ) ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ ، قَالَ: ( ثُمَّ أَبُوكَ ) متفق عليه. وإن تكريم الأمهات في يوم الأم ليس من باب التشبه المحظور بل هو من الحكمة العامة و"الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها"، وخاصة في موضوع تحث الشريعة الإسلامية عليه ولا يتعارض معها، ولقد صام المسلمون (يوم عاشوراء) مع علمهم بصيام اليهود له، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ)، فنحن أحق بتكريم الأم من غيرنا ، أما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ). فالمقصود به النهي عن إتباع غيرنا من الأمم ؟

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

الحمد لله.


أولا:
المفهوم الشرعي للعيد: أنه "اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد عائد، إما بعود السنة، أو بعود الأسبوع أو الشهر أو نحو ذلك، فالعيد يجمع أمورا:
منها: يوم عائد، كيوم الفطر ويوم الجمعة.
ومنها: اجتماع فيه.
ومنها: أعمال تجمع ذلك من العبادات ، أو العادات، وقد يختص العيد بمكان بعينه ، وقد يكون مطلقا، وكل من هذه الأمور قد يسمى عيدا" انتهى من " اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم " لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص189) .
فيوم الأم، يعتبر عيدا، يعود بعود السنة ، ويحصل فيه الاجتماع، وتمارس فيه أعمال من العبادات والعادات، من البر والصلة وتقديم الهدايا ونحو ذلك ، فاجتمعت فيه خصائص العيد الثلاثة.
ثانيا:
العيد شريعة من الشرائع ، فإما أن تكون ثابتة، أو محدثة ، وهذا العيد لا أصل له في الإسلام ، ولو كان خيرا مشروعا لسبق إليه محمد صلى الله عليه وسلم ، لا سيما والنصوص في فضل البر بالأم كثيرة معلومة، منها ما ورد في السؤا ل، فلو كان من البر والتقدير والوفاء لها أن نجعل لها يوما في العام، لأرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو نبي البر والوفاء والإحسان، فلمّا لم يقل في ذلك كلمة، ولا فعله مرة، ولا نقل عن واحد من أصحابه، عُلم أنه بدعة محدثة.
ولو أنه صلى الله عليه وسلم احتفل به لكان عيدا مقبولا، ولو صامه كما صام عاشوراء لكان صياما مستحبا، فمن رام أن يجعله عيدا، أو أن يخصه بعبادة، فقد وقع في البدعة .

قال الشاطبي رحمه الله في بيان البدعة الإضافية: " فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه ...
ومنها التزام الكيفيات والهيآت المعينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا، وما أشبه ذلك.
ومنها التزام العبادات المعينة، في أوقات معينة، لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان، وقيام ليلته " انتهى من "الاعتصام" (1/ 37).
ثالثا:
التشبه بالكفار مذموم ممنوع ، وفيه من الوعيد الشديد قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) رواه أبو داود (4031)، وصححه الألباني في" صحيح سنن أبي داود ".
وهذا العيد لم يعرف إلا من الأمم الكافرة، ولم يؤخذ إلا منها، بل إن أول ظهوره في الدول العربية كان اقتراحا من أحد الصحفيين ، شفعه بأن الأمم المتحضرة تفعله!
فينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)، فالاحتفال به اتباع لسَنن غيرنا من الأمم.
وقد " نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ ؟ ) ، قَالُوا : لَا ، قَالَ : ( هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ ؟ ) ، قَالُوا : لَا ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَوْفِ بِنَذْرِكَ ، فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ ) " رواه أبو داود (3313) وصححه الألباني.
وفي هذا دلالة واضحة على لزوم تحري مخالفة أعياد الجاهلية، لاسيما وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلَاثَةٌ : مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ ، وَمُبْتَغٍ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ) رواه البخاري (6882).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " فكل من أراد في الإسلام أن يعمل بشيء من سنن الجاهلية ، دخل في هذا الحديث .
والسنة الجاهلية : كل عادة كانوا عليها؛ فإن السنة هي العادة ، وهي الطريق التي تتكرر لتتسع لأنواع الناس مما يعدونه عبادة أو لا يعدونه عبادة ، فمن عمل بشيء من سننهم فقد اتبع سنة جاهلية" انتهى من " اقتضاء الصراط المستقيم " ( ص76) .

والتشبه بالكافرين محرم ، ولو لم يقصد الفاعل التشبه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " التشبه يعم من فعل الشيء لأجل أنهم فعلوه ، وهو نادر .
ومن تبع غيره في فعل ، لغرض له في ذلك ، إذا كان أصل الفعل مأخوذا عن ذلك الغير.
فأما من فعل الشيء، واتفق أن الغير فعله أيضا، ولم يأخذه أحدهما عن صاحبه، ففي كون هذا تشبها نظر، لكن قد يُنهى عن هذا لئلا يكون ذريعة إلى التشبه ، ولما فيه من المخالفة ، كما أمر بصبغ اللحى، وإحفاء الشوارب .
مع أن قوله صلى الله عليه وسلم: (غيروا الشيب، ولا تشبهوا باليهود) دليل على أن التشبه بهم يحصل ، بغير قصد منا، ولا فعل ، بل بمجرد ترك تغيير ما خلق فينا، وهذا أبلغ من الموافقة الفعلية الاتفاقية" انتهى من " اقتضاء الصراط المستقيم " (ص83) .
وقال الشيخ ابن عثيمين : " وليُعلم أن التشبه لا يكون بالقصد ، وإنما يكون بالصورة ؛ بمعنى أن الإنسان إذا فعل فعلاً يختص بالكفار ، وهو من ميزاتهم وخصائصهم ؛ فإنه يكون متشبهاً بهم ، سواء قصد بذلك التشبه أم لم يقصده .
وكثير من الناس يظن أن التشبه لا يكون تشبهاً إلا بالنية ، وهذا غلط؛ لأن المقصود هو الظاهر" انتهى من " فتاوى نور على الدرب ".
رابعا:
قد نص جمع من أهل العلم على أن هذا الاحتفال بدعة محدثة ، وتشبه بالكافرين .
وينظر كلامهم في جواب السؤال رقم : (10070) ، ورقم : (59905) .