عنوان الفتوى : حكم نشر الروايات الفلسفية التي تعرض الشبهة والإجابة عنها
أنا شاب جامعي أهوى القراءة وزيادة المعرفة بكافة أشكالها، وسؤالي الأول هو: هل هناك أي نوع من المعارف محرم، مثل فلسفة الأديان الأخرى، أو كتب فلاسفة غير مسلمين، أو مسلمين خرجوا عن إطار الإسلام، مثل من قال منهم بأزلية الكون مع أزلية الله؟ وأنا أحب أن أتعرف إلى كل الأفكار، وأواجهها بفكر إسلامي، متبعًا في ذلك نهج الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم الصحابة, فهل تطلعي لمثل تلك الأشياء محرم، أو غير محبب؟ وإن كان محرمًا فكيف سيتسنى لي، أو للمسلمين عامة أن يواجهوا تلك الأفكار، معتمدين على علم ومعرفة؟ثانيًا: أهوى الكتابة وتأليف الروايات، وأتجنب في كتاباتي أي شيء غير أخلاقي، أو غير لائق نهائيًا؛ لأنها لا تأتي إلا بالضرر, وقد كتبت رواية فلسفية عن شاب مسلم تعرض لظروف صعبة، أدت إلى أنه شك في الدين، ثم عاش حياته كلها متمتعًا بالشهوات؛ حتى وصل إلى الزهد، ثم أصابه مرض سيميته خلال أشهر، فقرر في تلك الأشهر أن يبحث عن غايته، وتفسير الوجود في كل الأديان، إلى أن انتهى عند الإسلام، أو بالأدق عاد إليه، ومات مسلمًا, وفي الفصول الأولى أعرض معظم أسئلة وأفكار وتشكيكات الملحدين وغير المسلمين في الإسلام، وفي النصف الثاني من الرواية إجابات عن تلك الأسئلة وقد استندت على مصادر عديدة في معلوماتي، وذكرتها في آخر الرواية للدقة، فهل تلك الرواية محرمة؛ لأنها عرضت على الناس أفكار الكفر؟ ومشكلتي أن أبي رفض محاولتي نشرها؛ لأنه يرى أن الفصول الأولى قد تتسبب في أن يشك أحد في الدين, وأنا أرى غير ذلك؛ لأن الفصول الأخرى تزيد القارئ إيمانًا لما تحتويه من إجابات، ومعجزات، وعبر من التاريخ، ومن عصرنا، ومن العالم، واقتباسات من علماء دين، وعلماء طبيعة، ومفكرين، وغير ذلك.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفلسفة تقوم على الخوض في الغيبيات، وتحكيم العقل في الإلهيات، والنبوات، وبسبب ذلك انحرف الفلاسفة في هذه العقائد انحرافات خطيرة، حتى قالوا: بقدم العالم، ونفي المعاد، ولهذا، فإن السلف قد حذروا من الخوض في الفلسفة وعلم الكلام، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الأصفهانية: كتب الفلسفة الباطل غالب عليها، بل الكفر الصريح كثير فيها. اهـ.
ويستثنى من ذلك من درسها لنقدها ونقضها، من أهل العلم المؤهلين لذلك؛ برسوخهم في علوم الشريعة، وإصابتهم في منهج التلقي والاستدلال، وهذه مرتبة عالية يشق الوصول إليها على أغلب طلاب العلم، فضلًا عن غيرهم؛ ولذلك كان الأصل هو الحذر من دراسة هذه العلوم، كما سبق التنبيه عليه في الفتويين رقم: 130565، ورقم: 158981.
قال الغزالي في الإحياء: العلم لا يذم لعينه، وإنما يذم في حق العباد لأحد أسباب ثلاثة:
الأول: أن يكون مؤديًا إلى ضرر ما، إما لصاحبه، أو لغيره، كما يذم علم السحر والطلسمات.
الثاني: أن يكون مضرًّا بصاحبه في غالب الأمر، كعلم النجوم.
الثالث: الخوض في علم لا يستفيد الخائض فيه فائدة علم، فهو مذموم في حقه، كتعلم دقيق العلوم قبل جليلها، وخفيها قبل جليها، وكالبحث عن الأسرار الإلهية؛ إذ يطلع الفلاسفة والمتكلمون إليها، ولم يستقلوا بها، ولم يستقل بها وبالوقوف على طرق بعضها إلا الأنبياء والأولياء، فيجب كف الناس عن البحث عنها، وردهم إلى ما نطق به الشرع، ففي ذلك مقنع للموفق، فكم من شخص خاض في العلوم، واستضر بها، ولو لم يخض فيها لكان حاله أحسن في الدين مما صار إليه... فلا تكن بحاثًا عن علوم ذمها الشرع، وزجر عنها، ولازم الاقتداء بالصحابة ـ رضي الله عنهم ـ واقتصر على اتباع السنة، فالسلامة في الاتباع، والخطر في البحث عن الأشياء والاستقلال، ولا تكثر اللجج برأيك، ومعقولك، ودليلك، وبرهانك. اهـ.
وأما الكتابة وتأليف الروايات: فحكمها بحسب محتواها، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 47548.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 13278.
وبخصوص الروايات الفلسفية: فإنها بالفعل يخشى أن تكون سببًا في فتنة أحد، أو تشككه وحيرته! فقد تقع الشبه في قلب إنسان، ثم لا يتيسر له بعد ذلك دفعها، هذا مع جزمنا بأن طرق المحاجة والإقناع المستفادة من الوحي كتابًا وسنة، هي أقرب الطرق، وأيسرها، وأنفعها، وأرفعها، وراجع للفائدة الفتويين رقم: 212086، ورقم: 134439.
والله أعلم.