عنوان الفتوى : منهج ابن حزم والألباني، وحكم تقليد الألباني في فتاويه
هل ابن حزم له مذهب خاص يسمى بالظاهرية؟ وهل الشيخ الألباني ظاهري؟ وهل يجوز أخذ الفتاوى من موقع الشيخ الألباني رحمه الله؟. ونفع الله بكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمذهب الظاهرية أنشأه: داود بن علي الأصبهاني, أما أبو محمد ابن حزم الأندلسي: فهو المجدد لهذا المذهب, وقد كان له الفضل في بيان المذهب وبسطه، ولمعرفة مكانة ابن حزم العلمية وأقوال العلماء فيه وما وجه إليه من نقد، راجع الفتوى رقم: 58463.
وللعلماء خلاف معروف في مذهب الظاهرية هل يعتد به في الإجماع والخلاف أو لا؟ وعلى كل حال، فإن ابن حزم على جلالته قد تفرد بمسائل بسبب إنكاره ـ كأهل الظاهر ـ للقياس سواء ما كان منه خفيا أو ما كان جليا، وإنكار القياس كله مما لا شك في بطلانه، وبهذا السبب وقعت لابن حزم أقوال مستشنعة لا يسوغ تقليده فيها ولا متابعته عليها، وقد بين ابن القيم في إعلام الموقعين ما أوجب للظاهرية تلك الأقوال الشاذة المنكرة التي تفردوا بها فأجاد وأفاد ـ رحمه الله ـ يقول الذهبي في ترجمة ابن حزم: وبسط لِسَانَه وَقلمَه وَلَمْ يَتَأَدَّب مَعَ الأَئِمَّة فِي الخَطَّاب، بَلْ فَجَّج العبَارَة وَسبَّ وَجَدَّع فَكَانَ جزَاؤُه مِنْ جِنس فِعله، بِحَيْثُ إِنَّهُ أَعْرَضَ عَنْ تَصَانِيْفه جَمَاعَةٌ مِنَ الأَئِمَّةِ وَهَجَرُوهَا وَنفرُوا مِنْهَا وَأُحرقت فِي وَقت، وَاعْتَنَى بِهَا آخرُوْنَ مِنَ العُلَمَاءِ وَفَتَّشوهَا انتقَاداً وَاسْتفَادَة وَأَخذاً وَمُؤَاخذَة وَرَأَوا فِيْهَا الدُّرَّ الثّمِينَ ممزوجاً فِي الرَّصْفِ بِالخَرَزِ المَهين، فَتَارَةٌ يَطربُوْنَ، وَمرَّةً يُعجبُوْنَ، وَمِنْ تَفَرُّدِهِ يهزؤُون، وَفِي الجُمْلَةِ فَالكَمَالُ عزِيز، وَكُلُّ أحد يؤخذ من قوله ويترك إلَّا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انتهى.
والحاصل أن ابن حزم من جملة علماء المسلمين الكبار، ولكنه يجتنب ما خرق فيه الإجماع.
وأما الشيخ الألباني: فلا ينتمي للمذهب الظاهري, لكنه عرف بشدة تمسكه بالكتاب والسنة, واستنباط الأحكام منهما, والرجوع إليهما عند الاختلاف, قال عنه علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: الرجل معروف لدينا بالعلم والفضل، وتعظيم السنَّة وخدمتها وتأييد مذهب أهل السنة والجماعة في التحذير من التعصب والتقليد الأعمى، وكتبه مفيدة، ولكنه كغيره من العلماء ليس بمعصوم، يخطئ ويصيب، ونرجو له في إصابته أجرين، وفي خطئه أجر الاجتهاد، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم واجتهد فأخطأ فله أجر واحد ـ متفق عليه. انتهى.
ولا مانع من أخذ الفتاوى من موقع الشيخ الألباني وتقليده, فهو من العلماء الثقات, جاء في شرح بلوغ المرام للشيخ عبد الكريم الخضير: قد تقول: هل لي أن آخذ الفقه من مؤلفات الشيخ الألباني، أو الشيخ ابن باز وقد عرفا بالاقتداء والائتساء؟ نقول: هما كغيرهما من أهل العلم إن فررت من تقليد أحمد وقعت في تقليد الألباني وهكذا، وكله تقليد، لكن إن كنت من أهل النظر فعليك أن تنظر، لتصل إلى النتائج بنفسك، إذا كنت أهلاً لذلك، أما إذا كنت عامياً أو في حكم العامي لا يوجد لديك آلية النظر فقلد من تبرأ ذمتك بتقليده، ممن يجمع مع العلم والدين الورع. انتهى.
وقد انفرد الشيخ بمسائل ناقشه فيها أهل العلم وبينوا مخالفته للصواب فيها، فما تبين أنه خلاف الإجماع من أقوال الشيخ ـ رحمه الله ـ فإنه من الأقوال الشاذة التي لا يتابع الشيخ عليها، شأنه في ذلك شأن غيره من أهل العلم.
والله أعلم.