عنوان الفتوى : ثمن وأجرة الزنا هل يجوز تموله
أنا تعرفت على زميلة في العمل وقد تواعدنا على الزواج مع العلم أنها زوجة وأم لطفلين وكانت على خلاف مع زوجها المهم أنا كان عندي شقة تنازلت عنها لها على أمل الزواج ثم حدث بيني وبينها لقاءات جنسية كثيرة إلى أن طلبت من الله أن يتوب علي واستجاب الله لي وأصبحت أكرهها بشدة وأخذت منها التنازل وأخذت الشقة مرة أخرى وطلبت منها الابتعاد عني ولكنها أخذت تدعو علي فهل أنا ظلمتها في ذلك؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اشتركت أنت وهذه المرأة في اقتراف مجموعة من الكبائر:
أولها: أنك أفسدتها على زوجها بتشجيعك لها على السعي في الحصول على الطلاق منه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ّ"ليس منا من خبب امرأة على زوجها، أو عبداً على سيده" رواه أبو داود وصححه الألباني.
ثانيها: إقامة علاقات محرمة معها انتهت بكما -والعياذ بالله- إلى ارتكاب فاحشة الزنى، وقد قال الله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) [الإسراء:32].
ولا ندري كيف يستجيز المرء لنفسه مثل هذا الأمر مع ما فيه من الوعيد الشديد، والاعتداء على محارم الخلق، وهو أمر لا يرضاه المرء لنفسه ولا لإحدى محارمه كأمه وأخته وابنته.
ثالثها: الإصرار على ذلك فترة من الزمان كانت كافية للتفكير في عاقبة الأمر وخطورته، والإصرار على المعصية ذنب في ذاته.
قال الإمام البخاري عن الحسن البصري: ما خافه -يعني الله- إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق.
ثم قال الإمام البخاري في ترجمة هذا الباب: ما يحذر من الإصرار على النفاق والعصيان من غير توبة لقوله الله تعالى: (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران:135].
والواجب عليكما الآن هو التوبة إلى الله تعالى مما حصل منكما، ولا يتم ذلك إلا بتركه، والندم عليه، والعزم على عدم العودة إليه أبداً، وقد سبق بيان كيفية التوبة من الزنا في الفتوى رقم: 22413، والفتوى رقم: 17947.
أما عن الشقة التي تنازلت عنها لها، فالظاهر أنها مقابل ما فعلته معها من محرمات أي هي ثمن للعلاقة التي كانت بينك وبينها، فهي ليست مهراً، لأن المرأة الآن ليست محلاً لإعطاء المهر، لارتباطها بزوجها، وليست هبة، لأنها غير مجردة عن المقابل، بل لها مقابل محرم، وحكم هذا المال أنه حرام على آخذه، لأنه مكتسب بطريق محرم، ومحرم على معطيه، لأنه خرج عن ملكه بعوض، وإن كان العوض محرماً، والواجب فيه أن تتخلص منه المرأة في سبل الخير.
وقد أورد الإمام ابن القيم أدلة مقنعة تؤيد هذا القول، فقال: فإن قيل: فما تقولون في كسب الزانية إذا قبضته ثم تابت، هل يجب عليها رد ما قبضته إلى أربابه أم يطيب لها؟ أم تتصدق به؟.
إن كان المقبوض برضى الدافع، وقد استوفى عوضه المحرم كمن عاوض على خمر أو خنزير أو على زنى أو فاحشة، فهذا لا يجب رد العوض على الدافع، لأنه أخرجه باختياره واستوفى عوضه المحرم، فلا يجوز أن يجمع له بين العوض والمعوض عنه، فإن في ذلك إعانة له على الإثم والعدوان، وتيسيراً لأصحاب المعاصي، وماذا يريد الزاني وصاحب الفاحشة إذا علم أنه ينال غرضه ويسترد ماله؟ فهذا مما تصان الشريعة عن الإتيان به ولا يسوغ القول به، وهو يتضمن الجمع بين الظلم والفاحشة والغدر، ومن أقبح القبح أن يستوفي عوضه من المزني بها ثم يرجع فيما أعطاه قهراً، وقبح هذا مستقر في فطر جميع العقلاء فلا تأتي به شريعة، ولكن لا يطيب للقابض أكله، بل هو خبيث، كما حكم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن خبثه لخبث مكسبه لا لظلم من أخذ منه، فطريق التخلص منه وتمام التوبة بالصدقة. ا.هـ
وأما عن دعاء المرأة عليك، فإن كان بسبب إقلاعك عن المعصية، فدعاؤها غير مستجاب.
أما إن كان بسبب إغوائك لها، وتخبيبها على زوجها، فهذا حق لها، لأنك سبب رئيس فيه.
ونوصيك بغض بصرك وعدم مخالطة النساء، أو التحدث معهن، وابحث عن صحبة صالحة تعينك على الخير، والبعد عن أسباب الفتن، وما يثير الشهوات.
والله أعلم.