عنوان الفتوى : معينات العفة والبعد عن الفاحشة
أنا شاب أسير في طريق الالتزام: أحافظ على الجماعة في الفجر، وعلى ورد من القرآن، وعلى صلاة النوافل قدر استطاعتي، وعلى الصدقة إن امتلكت مالا، وعلى رفع الثوب تجنبا للإسبال ـ الذي أعاني بسببه تهكما واعتراضا كبيرا... وقد أصل إلى أن بعض الأشخاص يتخذونني قدوة ولكنني بليت بحب اللواط، مع أنني لم أفعله، ولو مرة واحدة ولو عرض علي فلن أفعله وسأعرض عنه، وتأتيني عادة تخيلات عند النوم بمضاجعتي لرجل، وأكثر من مرة فعلت العادة السيئة، وأقلع عنها ولكنني أفعلها مرات نادرة تقريبا كل عام مرة أو مرتين، فهل هذا معناه أنني منافق وأن التزامي لا قيمة له وأن مصيري ـ والعياذ بالله ـ سخط الله وغضبه؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مجرد التفكير في المعصية أو تخيل فعلها في النوم لا يعاقب عليه، لأن النائم مرفوع عنه التكليف، لقوله صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاث: وعن النائم حتى يستيقظ......... رواه الترمذي والنسائي وأبو داود، وصححه الألباني.
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تتكلم.
وفي رواية أخرى: ما حدثت به أنفسها.
وبناء عليه، فلا تعتبر منافقا بمجرد هذا، وننصحك بالبدار بالزواج وبصرف نفسك دائما عن ا لتفكير في مثل هذه الأمور، واحمل نفسك على العفة، واستعن بالانهماك في طلب العلم وصحبة أهل الخير والتعاون معهم على البر والتقوى، ففي الحديث: ومن يستعفف يعفه الله. متفق عليه.
وأكثر من هذا الدعاء النبوي: اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. رواه مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه.
وعليك بالبعد عن مثيرات الشهوة كإطلاق النظر فيما يحرم النظر إليه، وأكثر من الصوم، فإن في الصوم كسرا لحدة الشهوة، ففي الصحيحين من حديث ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر الشباب؛ من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء.
وأكثر كذلك من النظر والمطالعة في الحديث عن الله تعالى، وأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، فطالع في صفات عظمته وجبروته وانتقامه، واطلاعه وعلمه بكل ما يعمله الناس، وبخطرات نفوسهم، حتى يتولد عندك من استشعار المراقبة ما يولد فيك الحياء من الله تعالى، ومهابته وخشيته بالغيب، ونمّ بقلبك استشعار مراقبة الله، والخوف من عقابه بزيادة معرفته فقد قال ابن القيم: وعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية ـ وفي رواية: خوفاً ـ وقال: ومقام الخشية جامع لمقام المعرفة بالله، والمعرفة بحق عبوديته، فمتى عرف الله وعرف حقه اشتدت خشيته له، كما قال تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء ـ فالعلماء به وبأمره هم أهل خشيته، قال النبي: أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية. اهـ
وكلما نزغك من الشيطان نزغ، فاستعذ بالله، وتذكر خطر المعاصي وضررها الماحق في الدنيا والآخرة، فقد قال تعالى: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {فصلت:36}.
وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ { الأعراف:201}.
وعليك بالإكثار من ذكر الله والصلاة، فإن الصلاة وكثرة الذكر لهما أثر عظيم في نهي صاحبهما عن الفحشاء والمنكر، قال الله سبحانه: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ {العنكبوت 45}.
جاء في تفسير البغوي: وقال عطاء في قوله: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ {العنكبوت 45} قال: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ من أن تبقى معه معصية. انتهى.
وجاء في الحديث: أن يحيى بن زكريا قال لبني إسرائيل: وآمركم بذكر الله كثيرا، ومثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره، فأتى حصنا حصينا فأحرز نفسه فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله تعالى. رواه الترمذي وغيره، وصححه الألباني.
والله أعلم.