عنوان الفتوى : الدليل على إباحة تصوير ما ليس له روح
هناك سؤال يحيرني، وأود لو أجد عندكم الجواب الشافي - بارك الله في علمكم، ووقتكم -. إن كانت الحكمة من نهي الإسلام عن رسم ذوات الأرواح هي مضاهاة خلق الله، وأن الأقوام الماضين قد صوروا الصالحين فجاء من بعدهم فعبدوا تلك التماثيل من دون الله، فكان النهي عنها سدًّا للذرائع، فإن الجبال، والبحار، والأشجار أيضًا من بديع صنع الله، فلماذا لا يعد تصويرها مضاهاة!؟ كما أن هناك من عبد الحجر، والشجر، فلماذا أباحها الشرع، ونهى عن تصوير الأولى سدًّا للذريعة؟ وهل هناك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على إباحة تصوير ما لا روح فيه؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلة تحريم التصوير لذوات الأرواح لا تنحصر في المضاهاة، وسد الذريعة إلى عبادتها فحسب، وراجعي فتوانا رقم: 10888.
وأما التفريق بين تصوير ذوات الأرواح وغيرها، فهو ما عليه جماهير أهل العلم، ولهم أدلتهم على هذا التفريق.
جاء في الموسوعة الفقهية: جمهور الفقهاء على أنه لا بأس شرعًا بتصوير الأعشاب، والأشجار، والثمار، وسائر المخلوقات النباتية, وسواء أكانت مثمرة أم لا, وأن ذلك لا يدخل فيما نهي عنه من التصاوير، ولم ينقل في ذلك خلاف, إلا ما روي عن مجاهد أنه رأى تحريم تصوير الشجر المثمر دون الشجر غير المثمر، قال عياض: هذا لم يقله أحد غير مجاهد، قال ابن حجر: وأظن مجاهدًا سمع حديث أبي هريرة, ففيه: {فليخلقوا ذرة, وليخلقوا شعيرة} فإن في ذكر الذرة إشارة إلى ما فيه روح, وفي ذكر الشعيرة إشارة إلى ما ينبت مما يؤكل, وأما ما لا روح فيه، ولا يثمر فلم تقع الإشارة إليه، وكراهة تصوير النباتات، والأشجار وجه في مذهب أحمد, والمذهب على خلافه.
وقد احتج الجمهور:
- بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من صور صورة في الدنيا، كلف أن ينفخ فيها الروح, وليس بنافخ} فخص النهي بذوات الأرواح، وليس الشجر منها.
- وبحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه نهى المصور عن التصوير, ثم قال له: إن كنت فاعلًا، فصور الشجر، وما لا روح فيه.
- قال الطحاوي: ولأن صورة الحيوان لما أبيحت بعد قطع رأسها - لأنها لا تعيش بدونه - دل ذلك على إباحة تصوير ما لا روح فيه أصلًا، بل إن في بعض روايات حديث عائشة - رضي الله عنها - أن جبريل - عليه السلام - قال للنبي صلى الله عليه وسلم: مر برأس التمثال فليقطع؛ حتى يكون كهيئة الشجرة. فهذا تنبيه على أن الشجرة في الأصل لا يتعلق النهي بتصويرها.
هذا ما يذكره الفقهاء في الاستدلال على أنه لا يحرم تصوير الشجر، والنبات، وما لا روح فيه.
- وفي مسند أحمد من حديث علي - رضي الله عنه - أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنها ثلاث, لن يلج عليك ملك ما دام فيها واحد منها: كلب, أو جنابة, أو صورة روح. اهـ.
ومن هذا يتضح أن إباحة تصوير ما لا روح فيه جاء نصًّا صريحًا من قول ابن عباس - رضي الله عنهما - فضلًا عن دلالة السنة النبوية على ذلك استنباطًا.
وأما بخصوص كون الحجر والشجر قد عبد من دون الله، فيقول ابن عابدين: فَإِنْ قِيلَ عُبِدَ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ، وَالْكَوَاكِبُ، وَالشَّجَرَةُ الْخَضْرَاءُ، قُلْنَا: عُبِدَ عَيْنُهُ لَا تِمْثَالُهُ.
أي: أن المعبود هنا هو ذوات الشمس، والقمر، والكواكب، والشجر، لا صورها، وعلى ذلك، فلا يجوز تصوير شيء من ذلك لمن عٌلم أنه يعبدها من دون الله؛ لكون ذلك من التعاون على الإثم والعدوان.
جاء في الموسوعة الفقهية: لا بأس بتصوير الجمادات التي خلقها الله تعالى - على ما خلقها عليه - كتصوير الجبال، والأودية، والبحار, وتصوير الشمس، والقمر، والسماء، والنجوم, دون اختلاف بين أحد من أهل العلم, إلا من شذ، غير أن ذلك لا يعني جواز صناعة شيء منها، إذا علم أن الشخص المصنوعة له يعبد تلك الصورة من دون الله, وذلك كعباد الشمس، أو النجوم، أشار إلى ذلك ابن عابدين. اهـ.
والله أعلم.