عنوان الفتوى : حكم لمس الحائض وعاء المصحف وهو بداخله
يوجد لباس للمصاحف يدخل فيها المصحف وليس لاصقا إلى الأبد، فمتى شئت أخرجته وغسلته وأرجعته، ويكون اللباس مزخرفا وعليه فصوص وأقمشة ملونة ومنقوش عليها، فما حكم هذه الألبسة للمصاحف؟ وهل تلمسه الحائض؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج في عمل هذه الألبسة، لما فيها من الحفظ للمصحف، ولا حرج كذلك في زخرفتها ولا في تنظيفها ولا في لمس الحائض لها في حال عدم وجود المصحف داخلها، وأما إن كان المصحف بداخلها فقد اختلف الفقهاء في ذلك، فمنع مسها المالكية والشافعية، كما جاء في بلغة السالك للصاوي المالكي: لَا يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ أَنْ يَكْتُبَ الْقُرْآنَ أَوْ آيَةً مِنْهُ، وَلَا أَنْ يَحْمِلَهُ وَلَوْ مَعَ أَمْتِعَةٍ غَيْرِ مَقْصُودَةٍ بِالْحَمْلِ.
وقال صاحب مواهب الجليل عند قول خليل بن إسحاق المالكي: ومس مصحف ولو بقضيب ـ يعني أن المحدث يمنع من مس المصحف، هذا مذهب الجمهور ـ إلى أن قال: ويحرم مس جلده، قال المصنف في التوضيح: وأحرى طرف الورق المكتوب وما بين الأسطر من البياض، ويحرم مسه ولو بقضيب. اهـ.
وقال في حاشية الجمل، وهو شافعي: قوله: ومس جلده، أي المصحف ولو مع غيره بالإضافة لأدنى ملابسة، فإذا وضع مصحف وكتاب في جلد واحد، حرمت الدفة التي بجنب المصحف دون غيرها. اهـ.
وفي أسنى المطالب ممزوجا بروض الطالب للشيخ زكريا الأنصاري الشافعي: ومس ورقه حتى حواشيه وما بين سطوره لأن اسم المصحف يقع على الجميع وقوعا واحدا، ومس جلده المتصل به، لأنه كالجزء منه. انتهى.
وذهب بعض الحنفية إلى أنه يجوز للمحدث حدثًا أكبر مس جلد المصحف وموضع البياض منه، قال ابن عابدين: وهذا أقرب إلى القياس، والمنع أقرب إلى التعظيم، والصحيح المنع.
وذهب الحنابلة ومن وافقهم إلى جواز مس وعاء المصحف وحمله به، لأنه لا يعتبر مماسا له، قال في كشاف القناع: وللجنب تصفحه ـ المصحف ـ بكمه أو بعود ونحوه كخرقة وخشبة، لأنه غير ماس له. اهـ.
وجاء في كتاب الفروع للمرداوي الحنبلي: وَيَجُوزُ حَمْلُهُ بِعِلَاقَتِهِ، أَوْ فِي غِلَافِهِ، أو كمه.
قال ابن قدامة في المغني: وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَالشَّعْبِيِّ...
وجاء في الموسوعة الفقهية أيضا: اتفق الفقهاء على أنه يحرم بالحدث مس المصحف بلا حائل، قال تعالى: لا يمسه إلا المطهرون ـ وفي كتابه صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: أن لا يمس القرآن إلا طاهر ـ واختلفوا في مسه بحائل كغلاف أو كم أو نحوهما، فالمالكية والشافعية يقولون بالتحريم مطلقا ولو كان بحائل، والصحيح عند الحنابلة جواز مس المصحف للمحدث بحائل مما لا يتبعه في البيع ككيس وكم، لأن النهي إنما ورد عن مسه, ومع الحائل إنما يكون المس للحائل دون المصحف، ومثله ما عند الحنفية، حيث فرقوا بين الحائل المنفصل والمتصل فقالوا: يحرم مس المصحف للمحدث إلا بغلاف متجاف ـ أي غير مخيط ـ أو بصرة، والمراد بالغلاف ما كان منفصلا كالخريطة ونحوها, لأن المتصل بالمصحف منه. انتهى.
والله أعلم.