عنوان الفتوى : لا يُتَصدق بالمال عن صاحبه إلا عند العجز عن رده إليه
كنت أعمل في مسجد أنا وبعض المعلمات مع شيخة تمسك هذا المسجد، وكنا نأخذ أجرا شهريا، وكنا نأخذ من هذا الأجر جزءا بسيطا على جنب لنحضر به هدايا في كل آخر دورة للحفظ لنحضر الهدايا للطلبة، وبعد ذلك حصلت مشكلة كبيرة أدت لانفصالنا كلنا عن بعضنا، وكل أخت كان معها مبلغ من هذا الذي كنا نجعله للهدايا، وبعد ذلك تصدقت الأخوات بهذا المال على المسجد، أما أنا فكانت حالتي المادية صعبة جدا اضطررت لصرف المال ولا أعرف ماذا أعمل؟ علما بأنني على صلة بالشيخة التي كنا نعمل معها، ولكنني في حرج أن أقول لها ذلك؛ لأنها عادت بعد فترة طويلة من الزمن، فماذا أفعل جزاكم الله خيرا؟ وهل أتصدق بهذا المال؟ أم من الممكن أن أعطيه لها مع أنه لا يمكنني أن أقول لها إن هذا المال كان معي وصرفته على نفسي وصديقاتي تبرعن به للمسجد، وحالتي كما هي وغير قادرة على جمع المال وهو حوالي ألف وستمائه جنيه؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي فهمناه من السؤال هو أن المدرسات يجمعن من راتبهن مبلغا يخصصنه لشراء هدايا للطلاب، وقد بقي لديك مبلغ من ذلك المال المخصص لهدايا الطلاب، وإذا كان كذلك فالواجب عليك رده إلى المدرسات ما لم يأذنَّ لك في التبرع به للمسجد أو غيره، وإن كنت لا تستطيعين الوصول إليهن وأيست من ذلك فيسعك أن تتصدقي بحقهن عنهن، عملا بالمستطاع، لكن لا تفعلي ذلك ما لم تيأسي من إمكان إيصال حقهن إليهن ولو بطرق غير مباشرة، قال صاحب الزاد: وإن جهل ربه تصدق به عنه مضمونًا.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: فَإِذَا كَانَ بِيَدِ الْإِنْسَانِ غصوب، أَوْ عَوَارٍ، أَوْ وَدَائِعُ، أَوْ رُهُونٌ قَدْ يَئِسَ مِنْ مَعْرِفَةِ أَصْحَابِهَا فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْهُمْ، أَوْ يَصْرِفُهَا فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ يُسَلِّمُهَا إلَى قَاسِمٍ عَادِلٍ يَصْرِفُهَا فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْمَصَالِحِ الشَّرْعِيَّةِ, وَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَقُولُ: تَوَقَّفَ أَبَدًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَصْحَابَهَا, وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ, فَإِنَّ حَبْسَ الْمَالِ دَائِمًا لِمَنْ لَا يُرْجَى لَا فَائِدَةَ فِيهِ، بَلْ هُوَ تَعَرُّضٌ لِهَلَاكِ الْمَالِ وَاسْتِيلَاءِ الظَّلَمَةِ عَلَيْهِ, وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَدْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَدَخَلَ بَيْتَهُ لِيَأْتِيَ بِالثَّمَنِ فَخَرَجَ فَلَمْ يَجِدْ الْبَائِعَ فَجَعَلَ يَطُوفُ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَيَتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ بِالثَّمَنِ, وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ عَنْ رَبِّ الْجَارِيَةِ، فَإِنْ قُبِلَ فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ فَهُوَ لِي وَعَلَيَّ لَهُ مِثْلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, وَكَذَلِكَ أَفْتَى بَعْضُ التَّابِعِينَ مَنْ غَلَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَتَابَ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِذَلِكَ عَنْهُمْ، وَرَضِيَ بِهَذِهِ الْفُتْيَا الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ الَّذِينَ بَلَغَتْهُمْ كمعاوية وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ. انتهى.
والحكم المذكور على ما عندك من مال ينطبق أيضا على ما كان بأيدي باقي المدرسات من ذلك المال المرصود للهدايا فليس لهن الصدقة به دون إذن باقي المدرسات، لأنه مالهن وقد حددن وجها لصرفه فيه ولم يتم ذلك، وأما الشيخة: فلا علاقة لها بالمال، لأنه للمدرسات وقد كن يقتطعنه من راتبهن المستحق لهن بناء على ما ذكرت في السؤال.
والله أعلم.