عنوان الفتوى : مذاهب العلماء فيمن قال لمسلم أو غير مسلم أو لظالم: يا كلب يا حمار
ما حكم من يتلفظ بكلمة كلب أو حمار: بأن يقول لشخص طاغية هذا الكلب أو.... وهو يخطب في يوم الجمعة أو يلقي محاضرة، سواء كان في المسجد أو خارجه؟ فضلا عن الإجابة عن جزئيات الأسئلة إذا كان في
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي لمن يتكلم في المساجد والمجالس العامة ممن يعلم أو يعظ الناس أن يكون عف اللسان بعيدا عن السب والشتم، فالأصل في المسلم -ولا سيما الداعية- هو البعد عن الفحش والسب؛ كما في الحديث: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء. رواه أحمد والترمذي، وقال: حديث حسن غريب ـ وصححه الألباني.
والأصل في التعامل مع الناس كلهم هو القول الحسن، لقوله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا {البقرة:83}.
وإذا استحق أحد من الناس الإنكار والإغلاظ عليه فلا ينبغي أن يحمل ذلك على الفحش في القول، ففي مسند أحمد عن عائشة قالت: أتى النبي صلى الله عليه وسلم ناس من اليهود، فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم، فقال: وعليكم، قالت عائشة فقلت: وعليكم السام والذام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة؛ لا تكوني فاحشة، قالت: فقلت: يا رسول الله؛ أما سمعت ما قالوا السام عليك؟ قال: أليس قد رددت عليهم الذي قالوا؟ قلت: وعليكم. صححه الألباني.
وعن عائشة قالت: بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ استأذن رجل من اليهود فأذن له فقال: السام عليك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وعليك، قالت: فهممت أن أتكلم، قالت: ثم دخل الثانية، فقال مثل ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وعليك، قالت: ثم دخل الثالثة، فقال: السام عليك، قالت: فقلت: بل السام عليكم وغضب الله إخوان القردة والخنازير، أتحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم يحيه به الله؟ قالت: فنظر إلي، فقال: مه، إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش، قالوا قولا فرددناه عليهم فلم يضرنا شيء، ولزمهم إلى يوم القيامة.. إلخ. صححه الألباني.
ومعنى السام: الموت والهلاك.
وتشبيه الإنسان المسلم بالكلب والحمار يعد من السب المنهي عنه ويستحق به التأديب عند الجمهور، فقد قال الشيخ محمد عليش المالكي في شرحه لمختصر خليل الخرشي: لو قال: يا فاسق أو يا فاجر، أو يا شارب الخمر، أو يا ابن الفاسقة، أو يا ابن الفاجرة، أو يا آكل الربا، أو يا حمار، أو يا ابن الحمار، أو يا خنزير، أو ما أشبه ذلك، فإنه يؤدب. انتهى.
وقال المرداوي في الإنصاف: يعزر بقوله، يا كافر, يا فاجر, يا حمار, يا تيس, يا رافضي, يا خبيث البطن, أو الفرج, يا عدو الله, يا ظالم, يا كذاب, يا خائن, يا شارب الخمر, يا مخنث، نص على ذلك. اهـ.
وخالف بعض أهل العلم من الحنفية فرأوا أنه لا يوجب تعزيرا، فقد جاء في الفتاوى الهندية على الفقه الحنفي: الأصل في وجوب التعزير أن كل من ارتكب منكراً أو آذى مسلماً بغير حق بقوله أو بفعله يجب التعزير، إلا إذا كان الكذب ظاهراً في قوله؛ كما إذا قال: يا كلب، أو يا خنزير، أو نحوه، فإنه لا يجب التعزير كذا في شرح الطحاوي، وهو الصحيح هكذا في فتاوى قاضي خان. انتهى.
وجاء في المبسوط للسرخسي: ولو قال: يا حمار، أو يا ثور، أو يا خنزير، لم يعزر في شيء من ذلك، لأن من عادة العرب إطلاق هذه الألفاظ بمعنى البلادة أو الحرص, ولا يريدون به الشتيمة, ألا ترى أنهم يسمون به؟ فيقال: عياض بن حمار وسفيان الثوري, ولأن المقذوف لا يلحقه شين بهذا الكلام, وإنما يلحق القاذف، فكل أحد يعلم أنه آدمي وليس بحمار وأن القاذف كاذب, وكذلك لو قال: يا كلب, وحكي عن الهندواني أنه قال يعزر في عرف ديارنا، لأن هذا اللفظ فينا يذكر للشتيمة، والأصح أنه لا يعزر، لأن من عادة العرب إطلاق هذا الاسم لمعنى المبالغة في الطلب وقلة الاستحياء, فقد يسمون به كالكلبي ونحوه، ثم كل أحد يعلم أنه كاذب فالشين يلحقه دون المقذوف. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: وكذلك يعزر إذا شبهه بالحيوانات الدنيئة كقوله: يا حمار, يا كلب, يا قرد, يا بقر، ونحو ذلك، عند جمهور الفقهاء ـ المالكية والشافعية والحنابلة، وهو المختار عند متأخري الحنفية... اهـ.
هذا؛ وننبه إلى أن الطاغية الظالم لا حرمة له إذا كان كافرا حربيا، فقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاصر بني قريظة أمر أصحابه أن يستروه بالجحف حتى يسمعهم كلامه ففعلوا فناداهم: يا إخوة القردة والخنازير.. كما أخرجه الحاكم في مستدركه وصححه، ووافقه الذهبي.
وقال الصنعاني في سبل السلام في شرحه لحديث: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ـ المتفق عليه: وفي مفهوم قوله المسلم دليل على جواز سب الكافر, فإن كان معاهدًا فهو أذية له, وقد نهى عن أذيته فلا يعمل بالمفهوم في حقه, وإن كان حربيًا جاز سبه إذ لا حرمة له. اهـ.
والله أعلم.