أرشيف المقالات

زكاة الفطر

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
زكاة الفطر
 
الحمد لله وبعد: فقد فرض الله تعالى زكاة الفطر على كل مسلم يدرك عيد الفطر، فرَضها الله تعالى على الكبير والصغير، والذكر والأنثى، والحر والعبد، والمسافر والمقيم، والصحيح والمريض، والغني والفقير الذي يجد صاعاً مِن طعام فاضلًا عن حاجته يوم العيد.
فقد ثبت في الصحيحين من غير وجه عن ابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهما، قالا: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر...
وفيهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كنا نعطيها - يعني زكاة الفطر - صاعاً من طعام، قال: وكان طعامنا الشعير والزبيب والإقط والتمر)، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً مِن تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يخرجها عن الحمل قبل ولادته، وأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة - يعني العيد - وقد روى عن غير واحد من السلف؛ أن المراد بقوله تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾ [الأعلى: 14، 15]: تقديم زكاة الفطر قبل صلاة العيد.
وقد شرع الله تعالى هذه الزكاة وفرضها تكميلًا للصيام، وجبرًا لما قد ينقصه من اللغو والآثام، وتطهيرًا للصوام، وتنمية للعمل، وشكرًا لله عز وجل، ومواساة الفقراء والمساكين، وإغناءً لهم عن ذل السؤال والحاجة يوم العيد، ليشاركوا إخوانهم الأغنياء أفراحهم، ولأنها من أسباب إشاعة المحبة، وإظهار الفرح بالعيد؛ وهو شعيرة من شعائر الإسلام، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين).
والمقدار الواجب صاعٌ بصاعِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومقداره أربع حفنات يكفي - الرجل المتوسط خلقة اليدين - من البر الجيد، ويقدر بكيلوين ونصف أو يزيد قليلًا ليكمل ثلاثة كيلوات، وتخرج مِن طعام البلد، فإذا كان طعامهم البُرَّ تخرج منه، وإن كان طعامهم الذرة تخرج منه، وإن كان طعامهم الدخن تخرج منه، وهكذا تخرج من الطعام الذي يقتاته أهل البلد؛ حتى تتحقق المواساة للفقراء بتوفير طعام لهم يوم العيد؛ يشاركون فيه إخوانهم الأغنياء سرورهم بالعيد، وغبطتهم فيه.
فيخرج المسلم مِن أطيب طعامه أو أوسطه، وقد قال الله تعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92].
ووقت إخراجها الواجب ليلة العيد إذا ثبتت رؤية الهلال، وأفضل وقت لإخراجها بعد صلاة الفجر يوم العيد وقبل صلاة العيد.
ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، المهم أن يتسلمها الفقير والمسكين قبل صلاة العيد سواء سلمها المتصدق بنفسه أو بواسطة وكيل له، فإن تأخر إيصالها إلى الفقير عن صلاة العيد أثم المتصدق إن كان مفرطًا، وإن كان غير مفرط فلا شيء عليه.
وزكاة الفطر ينبغي أن تخرج طعامًا لا نقودًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجها طعامًا، ولم يدفع قيمتها، وكانت قيمة الطعام موجودة في زمانه صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنهم أخرجوا قيمة زكاة الفطر، فلو كان إخراج القيمة أهدى لسبقونا إليه، فإن الخير والهدى في اتباعهم، والشر والشؤم في مخالفتهم في جميع أمور الدين.
وإخراج القيمة يؤدي إلى خفاء تلك الشعيرة العظيمة من شعائر الدين، وجهل المسلمين بأحكامها؛ ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: لا يعطي القيمة، قالوا إن عمر بن عبد العزيز كان يأخذ القيمة، قال أحمد: يدَعون قولَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقولون: قال فلان.
وقد قال ابن عمر: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً...
إلخ.
ومما ينبغي أن يُخرج المسلم زكاة الفطر في بلدِ إقامته؛ ليُواسي بها الفقراء المجاورين له، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يعطي زكاة الفطر مَن يقبلها - وهو العامل الذي يكلف بتلقِّي صدقات الناس - ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا ينقلون زكاة الفطر مِن البلد إلى بلد، كما تُنقل زكاة المال مِن البلدان إلى بيت المال، وذلك يدل على أن الأحوط للمسلم أن يصرف زكاة فِطرهِ في بلده الذي هو مقيم فيه؛ فإن ذلك أظهر لهذه الشعيرة، وأبعد عن التكلف، وأحوط لبراءة الذمة؛ لأن إرسالها إلى الأمصار يؤدي إلى تأخرها، وإخراجِ القيمة بدلًا عنها، وذلك لا يجوز، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((دع ما يَرِيبُكَ إلى ما لا يَرِيبُكَ))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين مِن بَعدي، عَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومُحْدَثات الأمُور)).
وصلى الله على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣