عنوان الفتوى : من حفظ القرآن وخالف حكمه كان أسوأ حالا ممن لا يحفظه ويخالف حكمه .
ماذا لو ارتكب مسلمان نفس الذنب ، الأول حافظ للقرآن والآخر غير حافظ له ، فهل تقع عليهما نفس العقوبة يوم القيامة ؟
الحمد لله
حافظ القرآن ، العالم به : إذا خالف القرآن كان إثمه أعظم من إثم المخالف غير
الحافظ العالم ، فإن ذنب العالم أشد من ذنب الجاهل ، وعقوبته أولى ، قال شيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ
بِعِلْمِهِ ؛ فَإِذَا عَلِمَ الْإِنْسَانُ الْحَقَّ وَأَبْغَضَهُ ، وَعَادَاهُ :
كَانَ مُسْتَحِقًّا مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ : مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ مَنْ
لَيْسَ كَذَلِكَ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (7/ 586) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" فَهَذَا جَهله كَانَ خيرا لَهُ ، وأخف لعذابه من علمه ، فَمَا زَاده الْعلم
إِلَّا وبالا وَعَذَابًا، وَهَذَا لَا مطمع فِي صَلَاحه ، فَإِن التائه عَن
الطَّرِيق يُرْجَى لَهُ الْعود إليها ، إِذا أبصرها، فَإِذا عرفهَا وحاد عَنْهَا
عمدا ؛ فَمَتَى ترجى هدايته ؟ قَالَ تَعَالَى: ( كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا
كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ
الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) آل عمران/ 86 "
انتهى من"مفتاح دار السعادة" (1/ 115) .
وقد سبق في جواب السؤال رقم : (196054)
أن القرآن كما يشفع لأصحابه يوم القيامة ، فهو أيضا يشهد على مخالفيه بهجره وتضييع
فرائضه وتعدي حدوده .
وقد ضرب الله مثل السوء للذين يعلمون ولا يعملون ، فقال تعالى : ( مَثَلُ الَّذِينَ
حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ
أَسْفَاراً ) الجمعة/5 .
قال السعدي رحمه الله :
" ذكر الله أن الذين حمّلهم التوراة من اليهود وكذا النصارى ، وأمرهم أن يتعلموها،
ويعملوا بما فيها ، فلم يحملوها ولم يقوموا بما حملوا به ، أنهم لا فضيلة لهم ، وأن
مثلهم كمثل الحمار الذي يحمل فوق ظهره أسفارًا من كتب العلم ، فهل يستفيد ذلك
الحمار من تلك الكتب التي فوق ظهره ؟ وهل يلحق به فضيلة بسبب ذلك ؟ أم حظه منها
حملها فقط ؟ فهذا مثل علماء اليهود الذين لم يعملوا بما في التوراة ، الذي مِن
أَجَلِّه وأعظمه : الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، والبشارة به ، والإيمان
بما جاء به من القرآن ، فهل استفاد مَنْ هذا وصفُه من التوراة ، إلا الخيبة
والخسران ، وإقامة الحجة عليه؟ فهذا المثل مطابق لأحوالهم " انتهى من "تفسير
السعدي" (ص 862) .
فعلى كل مسلم أن يجتهد في
حفظ ما استطاع من كتاب الله ، وأن يعمل بمقتضى ما حفظ وعلم ، وألا يخالف هدى الله
الذي يهدي به من يشاء من عباده ، وأن يكون ممن قالوا سمعنا وأطعنا ، وألا يكون ممن
قالوا : سمعنا وعصينا ، فإن الله قال عن المؤمنين : (وَقَالُوا سَمِعْنَا
وَأَطَعْنَا) البقرة/ 285 ، وقال عن اليهود : (قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا)
البقرة/ 93 .
والله تعالى أعلم .
أسئلة متعلقة أخري |
---|
من حفظ القرآن وخالف حكمه كان أسوأ حالا ممن لا يحفظه ويخالف حكمه . |