عنوان الفتوى : نقاش حول حكم الاستمناء
بالنسبة لمسألة الاستمناء ، فقد أباحها عدد من علماء السلف ، كعمرو بن دينار ، ومجاهد ، وغيرهم ، ومعلوم أن مجاهدا هو من كبار العلماء في تفسير القرآن الكريم ، ولم يذكر أن الاستمناء محرم بدليل آية ( والذين هم لفروجهم حافظون ) فضلا عن قوله - ومعلوم أنه عاصر زمن الصحابة - : كانوا يأمرون به شبانهم يستعفون به . بمعنى أنه لو كان أخطأ وفسرها خطأ فغيره كان يبيحها ويأمر بها ، وهو في عصر الصحابة والتابعين . وبعد قراءتي لعدة فتاوى في ما يفعل العامي عند اختلاف العلماء ، قال بعض العلماء : إنه يأخذ بالأيسر ، وبعضهم قال : يأخذ بكلام الأتقى والأورع والأعلم ، ومعلوم أن علماء السلف كمجاهد وعمرو بن دينار هم أعلم من علماء الخلف ، مع احترامي لجميع العلماء . فهل أنا آثم إن أخذت بالقول الذي يبيح الاستمناء ؟
الحمد لله.
نعم ، رويت بعض الآثار التي تفيد جواز الاستمناء ، وذلك عن مجاهد رحمه الله وغيره . انظر " المصنف " لعبد الرزاق (7/391) كقوله : (كان من مضى يأمرون شبانهم بالاستمناء) .
ولكن القضية في " الاستمناء
" ليست متوقفة على وجود فتوى هنا أو هناك ، ولا على ترخيص بعض العلماء من المتقدمين
أو المتأخرين بها ، فالمسلم يعتني بما يصلحه وينفعه ، وليس بما تطلبه نفسه وتهواه .
وسواء نظرنا في اختلاف أقوال الفقهاء ، أم لم نفعل ، فما ينفعك في دينك ودنياك ،
وقلبك وبدنك ، هو اجتناب هذه العادة السيئة :
1. لما تحدثه في بدنك من إنهاك زائد .
2. ولما تحفره في نفسك ومخيلتك من صور الحرام واستدعاء المعصية .
3. ولما تشعله من نار الشهوة وتطلب المزيد منها بدلا من إطفائها وإخمادها ، وهذا
معلوم مقرر لدى الأطباء ، أن العادة السرية لا تطفئ الشهوة إلا مؤقتا ، ولكنها
سرعان ما تستعر من جديد أفحش ما كانت .
4. ولما تفتحه عليك من أبواب معصية النظر المحرم ، واقتحام حرمات الأيام والليالي
الفاضلة ، وتقصير في أداء الصلوات على وقتها ، وشعور النقص الداخلي ، وانطواء نفسي
.
5. ولما تسببه من ضرر في العلاقة الزوجية في قابل الأيام ، حين يجد بعض الصعوبة في
التخلص منها حتى بعد الزواج . وغيرها من الآثار السيئة .
ولذلك نقل ابن العربي المالكي عن بعض العلماء قولهم : " لو قام الدليل على جوازها ،
لكان ذو المروءة يعرض عنها لدناءتها " انتهى من " أحكام القرآن " (3/315) .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" وأما الرادع الحسي : فليسأل الأطباء ، حتى يتبين له أنها من أضر ما يكون على
البدن ، وإن كان الإنسان يجد فيها راحة ، لكنها راحة يسيرة يعقبها ضرر كبير . ولقد
قال لي بعض الناس : إنه ابتلي بهذا ، فابتلي بالوساوس الشيطانية والعياذ بالله ،
والمضايق النفسية . وهذا ليس ببعيد ؛ لأن الله تعالى حكيم ، جعل هذه النطفة لها محل
معين : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ )
[البقرة:223] ، وعلى الإنسان أن يتصبر ، ويتصبر ، ويتصبر ، ولقد ذكر النبي عليه
الصلاة والسلام دواءً ناجحاً وهو الصوم ، فقال : ( يا معشر الشباب ! من استطاع منكم
الباءة فليتزوج ؛ فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ، فإنه
له وجاء)" انتهى من " اللقاء الشهري " (61/ 24، بترقيم الشاملة آليا) .
وما ذكرتَه في سؤالك من محاولة إظهار قول مجاهد كأنه إجماع للصحابة والتابعين
فمبالغة غير مرضية .
فقد ثبت تحريم العادة السرية عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر ، وهو أعلم وأعلى
طبقة من مجاهد . فقد سئل عن الخضخضة – يعني العادة السرية - فقال : (ذلك الفاعل
بنفسه) . رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 112)، وهذه كلمة ذم وتنفير شديدة .
وشدد ابن العربي المالكي في " أحكام القرآن " (3/ 315) التحريم حتى قال :
" عامة العلماء على تحريمه ، وهو الحق الذي لا ينبغي أن يدان الله إلا به .
وقال بعض العلماء : إنه كالفاعل بنفسه ، وهي معصية أحدثها الشيطان وأجراها بين
الناس حتى صارت قيلة ، ويا ليتها لم تُقل ، ولو قام الدليل على جوازها لكان ذو
المروءة يعرض عنها لدناءتها ... والاستمناء ضعيف في الدليل ، عار بالرجل الدنيء ،
فكيف بالرجل الكبير " انتهى.
بل قال بعض العلماء : إن الآثار التي اشتهرت عن جابر بن زيد ، وعمرو بن دينار ،
ومجاهد ، لم يريدوا بها الجواز المطلق ، وإن كان ظاهر عبارتها يوحي بذلك ، وإنما
قصدوا جواز هذا الفعل في حال الخوف من الوقوع في الزنا ، وتعذر الزواج ، ولا شك أن
من عرض له الزنا : فالاستمناء في حقه أهون .
كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " قال رجل : إني أعبث بذكري حتى أنزل ؟
قال : إن نكاح الأمة خير منه ، وهو خير من الزنا" . رواه عبد الرزاق في " المصنف "
(7/ 390)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" نقل عن طائفة من الصحابة والتابعين أنهم رخصوا فيه للضرورة ، مثل أن يخشى الزنا
فلا يعصم منه إلا به ، ومثل أن يخاف إن لم يفعله أن يمرض ، وهذا قول أحمد وغيره .
وأما بدون الضرورة ، فما علمت أحدا رخص فيه " انتهى من " مجموع الفتاوى " (34/
229).
كل ذلك يدل على أن المسألة لا تختزل بقول يلتقط من هاهنا ، وقول ينقل من هناك ،
ويأخذ بظاهرها بعض العلماء فيقولون بالإباحة أو الكراهة فحسب .
ولكن حقيقة المسألة أنها نتاج بحث فقهي ومصلحي ظاهر ، تُوصل من خلاله إلى ما قرره
جماهير العلماء من تحريم هذا الفعل ، والتحذير من آثاره السيئة على النفس والبدن .
فلا يُنكر الخلاف ، ولا يُبالغ في الجزم بالإجماع من غير بحث ولا نظر ، ولكن
الواجب أيضا يقضي أن يُبيَّن للناس ما هو الأقرب للصواب ، ولكل مجتهد أجره بإذن الله .
ويرجى مراجعة الأجوبة السابقة المنشورة في موقعنا تحت الأرقام الآتية :
(329) ، (20161)
، (101539) ، (145482)
.
والله أعلم .