عنوان الفتوى : ردود على شبهات في مسألة تحريم الاستمناء – العادة السيئة -
يا ليت تفيدني بدليل قاطع يحرم الاستمناء ؛ لأن كل الأدلة التي سمعت بها لم أرَ فيها دليلاً قاطعاً للتحريم ، ففي قوله تعالى ( وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ ) : فهذه الآية قد قيل إنها تخاطب الرجال دون النساء ، وفي حديث رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنّه له وجاء ) : الرسول صلى الله عليه وسلم هنا أعطانا الحل الأفضل ولم يقل فقط الصوم . وإن قيل هناك أضرار في عملها : فما الأمر مع المحتلم لأن كليهما متشابهان : الاحتلام والعادة السرية . وأيضا يوجد من العلماء من أحل أن المرأة يجوز أن تفعلها للرجل لأنه مثل التقبيل ، إذاً من هنا وضح أنه لا يوجد ضرر ، فكيف يوجد ضرر إذا فعلها بيده وإن فعلتها الزوجة للزوج لا يوجد ؟!. وإن قيل : فيه إهدار لماء الرجل : فنقول : وماذا عن الاحتلام ؟! وأيضا قال تعالى : ( ألم نخلقكم من ماء مهين ) والشيء المهان لا يلام ولا يسأل صاحبه . وأيضا نحن مغتربون ونرى كل يوم ما هو كفيل لإثارة شهوتنا ونحن عزاب . فرجائي يا شيخ أنك تعطيني الأدلة التي إن شاء الله تزيل عني اللبس الحاصل عندي .
الحمد لله.
أولاً:
من الجيد أن يكون المسلم باحثاً في الأدلة في مسألة ، متقصيّاً لأقوال العلماء فيها ، حتى يصل إلى حكم الله تعالى ، فمثل هذا الباحث يؤجر حتى لو أخطأ في إصابة الحق أجراً واحداً .
ويأثم المسلم إذا كان يقوده هواه في بحث المسائل ، ويتعسف في الاستدلال ، ويتحكم في النصوص قبولاً وردّاً لها ، لا وفق قواعد البحث العلمي ، بل وفق هواه ومشتهاه .
ثانياً:
ما ذكرته من الإشكالات حول أدلة تحريم الاستمناء ، يقال فيه :
1. لا نزاع في أن الآية المذكورة هي خاصة بالرجال . قال ابن العربي – رحمه الله - :
"من غريب القرآن : أن هؤلاء الآيات العشر هي عامة في الرجال والنساء ، كسائر ألفاظ القرآن التي هي محتملة لهم ، فإنها عامة فيهم ، إلا قوله : ( وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ) فإنه خطاب للرجال خاصة دون النساء ، بدليل قوله : ( إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) ، ولا إباحة بين النساء وبين ملك اليمين في الفرج" .
انتهى من" أحكام القرآن " ( 5 / 464 ) .
لكن هل يقول عاقل إن المرأة غير مطالبة بحفظ فرجها ، لأن الآية خاصة بالرجال ؟! إن عدم توجه الخطاب للنساء في هذه الآية ، لا يعني بحال أن الحكم غير موجه إليهن ؛ ولذلك قال ابن العربي رحمه الله ، بعد كلامه السابق نقله مباشرة :
"وإنما عُرف حفظُ المرأة فرجها من أدلة أخر ، كآيات الإحصان عموماً وخصوصاً ، وغير ذلك من الأدلة" .
انتهى من" أحكام القرآن " ( 5 / 464 ) .
ومن هذه النصوص قوله تعالى ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) النور/ من الآية 31 .
ب. الآية الكريمة واضحة الدلالة على تحريم قضاء الشهوة الجنسية في غير الزوجة والأمَة ، فكل من قضى شهوته من الرجال باللواط أو مع بهيمة أو بالاستمناء قد ابتغى غير الحلال الذي شرعه الله تعالى ، فيكون ظالماً لنفسه ، متجاوزاً للحدِّ الشرعي ، والمرأة إذا قضت شهوتها الجنسية مع غير الزوج ، كالسحاق ، أو مع بهيمة ، أو بالاستمناء : تكون ظالمة لنفسها ، متجاوزة للحد الشرعي ، ودلالة الآية القرآنية التي ذكرتَها واضحة على استنباط هذه الأحكام منها.
قال الشافعي – رحمه الله - :
"فكان بيِّناً في ذِكر حفظهم لفروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ، تحريم ما سوى الأزواج وما ملكت الأيمان .
وبيِّنٌ أن الأزواج وملك اليمين من الآدميات ، دون البهائم .
ثم أكدها فقال ( فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ ) فلا يحل العمل بالذَّكَر إلا في زوجة أو في مِلك اليمين ، ولا يحل الاستمناء ، والله أعلم" .
انتهى من" أحكام القرآن " ( 1 / 195 ) .
وقال أبو حيان الأندلسي – رحمه الله - :
"ويشمل قوله ( وَرَاءَ ذَلِكَ ) : الزنا ، واللواط ، ومواقعة البهائم ، والاستمناء.
ومعنى ( وَرَاءَ ذَلِكَ ) : وراء هذا الحد الذي حدَّ من الأزواج ومملوكات النساء".
انتهى من" تفسير البحر المحيط " ( 6 / 391 ) .
2. ما ورد في السؤال من أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أعطانا الحل الأفضل بالصوم ، لمن عجز عن النكاح ، ولم يرد الحصر ، يقال فيه :
نعم ، ليس المراد هنا خصوص الحصر ، وقد وردت الرخصة بأشياء أخرى ، كحل لمن عجز عن نكاح الحرائر ، مثل التسري بالإماء ، يعني : أن تكون له أمة ـ ملك يمينه ـ يجامعها ، أو يتزوج بأمة ، إذا عجز عن نكاح الحرة ، أو يصبر ويستعفف ، إذا لم يجد نكاحا ، ولم يرغب في الإماء ، أو لم يستطع ذلك أيضا .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
"هذه العادة - الاستمناء - لو كانت جائزة لأرشد إليها النبي صلّى الله عليه وسلّم ؛ لأنها أهون من الصوم ، لا سيما عند الشباب ؛ ولأنها أيسر ؛ ولأن الإنسان ينال فيها شيئاً من المتعة ، فهي جامعة بين سببين يقتضيان الحل لو كانت حلالاً ، والسببان هما : السهولة ، واللذة ، والصوم فيه مشقة وليس فيه لذة ، فلو كان هذا جائزاً : لاختاره النبي عليه الصلاة والسلام وأرشد إليه ؛ لأنه موافق لروح الدين الإسلامي لو كان جائزاً ، وعلى هذا فيكون الحديث دليلاً على التحريم" .
انتهى من" الشرح الممتع على زاد المستقنع " ( 14 / 320 ) .
ثالثا:
هناك اختلاف كبير بين طبيعة الاستمناء وطبيعة الاحتلام ، ولذلك يفترقان في آثارهما على البدن ، كما يفترقان في أحكامهما في الشرع :
أ. فالاحتلام يخرج من غير إرادة صاحبه ؛ لأنه نائم ، بخلاف المستمني المستيقظ .
ب. وهو غير مؤاخذ عليه ، بخلاف الاستمناء .
ج. والاحتلام تفريغ طبيعي للمنيّ من البدن ، بخلاف الاستمناء الذي يستجلب الإنسان فيه المني .
د. والمحتلم لا يستعمل يده ، ولا يحتك بشيء ، بخلاف صاحب العادة السيئة .
هـ. ليس للاحتلام أية آثار سيئة ، ولا أعراض مرضية ، لا بدنية ولا نفسية ، بخلاف الاستمناء .
رابعاً:
أن المعول عليه في التحريم ليس هو الضرر وحده ، فلو سلّم أن الاستمناء لا ضرر فيه لم يقتضي ذلك إباحته لصحة دلالة الكتاب والسنة على تحريمه كما سبق ، على أنه لا يبعد أن يقال : إن الاستمناء بيد الزوجة لما كان مباحاً انتفى ضرره ، أو قل ، أو جرت العادة ألا يستكثر منه الزوج فلا يتضرر ، بخلاف الاستمناء المحرم ، الذي جرت العادة في أهله أنهم لا يقفون فيه عند حد ، حتى إن الواحد منهم قد يستمني في اليوم مرات ، ولهذا كان ضرره محققاً ، وما أشرنا إليه من تأثير الحل والحرمة في ذلك يمكن الاعتبار فيه بعدم التضرر من تناول المحرمات الضارة عند الاضطرار ، ف "الضرورة منعت تأثير الوصف وأبطلته " كما يقول ابن القيم رحمه الله ، وينظر : مفتاح دار السعادة (2/ 21).
فلا عجب أن يكون الاستمناء المحرم ضاراً بالبدن ، والاستمناء المباح بين الزوجة غير ضار لهذين الاعتبارين :
1- وهو تأثير الحل والحرمة في طيب الأشياء وخبثها وضررها .
2- جريان العادة بالإكثار من الاستمناء المحرم ، مما يقضي إلى الضرر المحقق .
ولو سلّم انتفاء الضرر ، لم تلزم الإباحة كما سبق .
خامساً:
ما ذكر في السؤال من أن الشيء المهين لا يلام ولا يسأل صاحبه ليس على إطلاقه ؛ لأن معنى ( مَهِين ) في الآية " ضعيف " ، ومنه قوله تعالى : ( ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ) السجدة/ 8 .
وقد فسرها بذلك : ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والطبري وابن كثير ، وغيرهم كثير .
قال البخاري رحمه الله في " صحيحه " ( 4 / 1793 ) : وقال مجاهد ( مَهِين ) : ضعيف ، نطفة الرجل .
انتهى
وقال الطبري – رحمه الله - :
"قول تعالى ذكره : ( أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ ) أيها الناس ( مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ) يعني : من نطفة ضعيفة .
... عن ابن عباس ، قوله : ( أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ) يعنى بالمهين : الضعيف" .
انتهى من" تفسير الطبري " ( 24 / 132 ) .
ونقله عن قتادة ومجاهد في " تفسيره " ( 20 / 173 ) ، وقال :
"ومهين : فعيل ، من قول القائل : مهن فلان ، وذلك إذا زلّ وضعف" .
انتهى
وكذا قال ابن كثير في " تفسيره " ( 5 / 466 ) .
وفي ( 8 / 229 ) قال – رحمه الله - :
"( إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ ) أي: من المني الضعيف ، كما قال : ( أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ )" .
انتهى
وقال ابن القيم – رحمه الله - :
"فالمَهين هاهنا : الضعيف ، ليس هو النجس الخبيث" .
انتهى من" بدائع الفوائد " ( 3 / 640 ) .
ثم إنه إذا قدر أن المهين ـ هنا ـ يعني : أنه لا قْدر له ؛ فهذا الوصف أمر نسبي ، للدلالة على ضعف الإنسان ، وتمام قدرة الله جل جلاله ، وعجيب خلقه .
قال الله تعالى : ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) الروم/54 .
قال ابن جزي رحمه الله :
" الضعف الأول كون الإنسان من ماء مهين ، وكونه ضعيفا في حال الطفولية ، والضعف الثاني الأخير : الهرم " انتهى . " التسهيل لعلوم التنزيل" (1471) .
وقال ابن عاشور رحمه الله :
" والغرض من إجراء هذا الوصف عليه الاعتبار بنظام التكوين إذ جعل الله تكوين هذا الجنس المكتمل التركيب العجيب الآثار من نوع ماء مهراق لا يعبأ به ولا يصان " انتهى .
"التحرير والتنوير" (21/151) .
وإذا وصف الله تعالى الدنيا ـ بأسرها ـ بالحقارة والوضاعة والهوان ، فهل يعني ذلك أن من ملك شيئا منها : له أن يصرفه كيف شاء ، وأنه لا يؤمر بحفظه ، ولا يلام على تضييعه ؟!
سادساً:
قال بعضهم : إن قوله تعالى ( فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ ) لا ينطبق على فاعل الاستمناء ؛ لأنه لا يعتدي على أحدٍ غيره ! .
والجواب عليه :
أن اللفظة في الآية ( الْعَادُونَ ) وليس " المعتدون " ، ومعناها : الظالم ، والمتجاوز حدَّه .
ومنه قوله تعالى : ( أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ . وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ ) الشعراء/ 165 ، 166 .
قال البغوي – رحمه الله - :
"( فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ) الظالمون المتجاوزون من الحلال إلى الحرام" .
انتهى من" تفسير البغوي " ( 5 / 410 ) .
وقال أبو جعفر النحاس – رحمه الله - :
"يقال : عدا ، إذا تجاوز في الظلم" .
انتهى من" معاني القرآن " ( 5 / 99 ) .
ولمعرفة حكم الاستمناء – العادة السيئة – وكيفية علاجها : انظر جوابي السؤالين : ( 329 ) و ( 101539 ) .
كما نرجو الإطلاع على جواب السؤال رقم ( 20229 ) ففيه بيان الوسائل التي تعين على غض البصر .
وفي جواب السؤال رقم ( 20161 ) بيان حل مشكلة الشهوة وتصريفها .
والله أعلم