عنوان الفتوى : رد بعض الشبهات حول حرمة إمساك الزوجة الزانية
ذكرتم في فتواكم رقم : (141286) ما معناه أن على المرأة أن لا تنجس فراش زوجها بماء غيره، وأن هذا جريمة ، وعليه يطلقها ، وأنَّ إمساكها دياثة ينافي الفطرة. وأنا أقول : ماذا تقول في حديث بن عباس عليه السلام في حديث : ( إن امرأتي لا ترد يد لامس ) ، وماذا تقول في قوله صلى الله عليه وسلم : ( الولد للفراش ) ، فوالله إن قول الولد للفراش يعني أشياء أنت تفهمها وكل إنسان عاقل يفهمها ، فما حاجة النبي صلي الله عليه وسلم لقول ذلك ؟ لما صلي الله عليه وسلم لم يكتفي بقول الزنا حرام وخلاص وانتهينا ، لكن ليبين الرسول أشياء في مسائل النسب ، ويعلم النبي صلي الله عليه وسلم أن ابن الجارية ليس ولد سيدها ، فماذا تقول وقد عُرِفَ الزنا في الاسلام ، وعرف النسب في الاسلام ، وعرف الدياثة في الاسلام ، أليس في هذا تناقض في الفتوى السابقة ، وعدم وضوح ، وقول أشياء تنافي القواعد الفقهية الشرعية سواء في النسب أو في مفهوم الدياثة ؟
الحمد لله
الأمر على ما جاء في الفتوى المحال عليها في سؤالك : من أنه لا يحل للرجل أن يمسك
زوجته غير العفيفة ، التي يعلم من حالها أنها تقع في الفاحشة ؛ وإلا كان ديوثا .
وهذا الحكم مستقر في الشرع الشريف وفي الفطر السوية غير المنتكسة .
أما معارضتك أيها السائل لهذا الحكم ، بما رواه أبو داود (2049) ، والنسائي
(3229) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن
عندي امرأة هي من أحب الناس إلي ، وهي لا تمنع يد لامس ، قال : ( طلقها ) ، قال لا
أصبر عنها ، قال : ( استمتع بها ) ".
فإنها معارضة في غير موضعها ؛ لأن هذا الحديث ضعيف ؛ بل منكر على الصحيح من أقوال
أهل العلم .
وعلى فرض صحته فليس فيه ما يدل على أن هذه المرأة كانت تأتي الفاحشة التي هي الزنا,
وقد سبق بيان هذا مفصلا في الفتوى رقم : (198540).
وأما معارضتك له بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( الولد للفراش ، وللعاهر
الحجر ) رواه البخاري (2053) ، ومسلم (1457) : ففي غير موضعها أيضا ، لأن هذا
الحديث موضوعه إثبات نسب الولد ، ومعناه أن الولد ينسب للفراش ، أي للزوج ، إذا
كانت المرأة فراشا أي متزوجة , كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (33591) .
فأين هذا من إمساك الزوجة الزانية ؟ إن الناظر في هذا الحديث ليدرك بأدنى تأمل أنه
لا علاقة له بإمساك المرأة الزانية ، ولا بفراقها ؛ بل موضوعه إثبات النسب للزوج
إذا ولد الولد على فراشه.
وأما دعواك أن هذا الحكم مخالف للقواعد الفقهية : فليتك ذكرت قاعدة واحدة من القواعد الفقهية التي خالفها هذا الحكم , بل هذا الحكم
على وفق كتاب الله تعالى الذي نهى المؤمنين نهيا صريحا وحرم عليهم نكاح العاهرات ,
قال تعالى : ( الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً
وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ ) النور/ 3 .
وقد استدل بهذه الآية شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى على أنه لا يجوز إمساك
الزوجة الزانية حيث قال في " الفتاوى الكبرى " (3 / 150) : "مَسْأَلَةٌ : فِي
حَدِيثٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ
لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ امْرَأَتِي لَا تَرُدُّ كَفَّ لَامِسٍ :
فَهَلْ هُوَ مَا تَرُدُّ نَفْسَهَا عَنْ أَحَدٍ؟ أَوْ مَا تَرُدُّ يَدَهَا فِي
الْعَطَاءِ عَنْ أَحَدٍ ؟ وَهَلْ هُوَ الصَّحِيحُ أَمْ لَا ؟ .
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، هَذَا الْحَدِيثُ قَدْ
ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ تَأَوَّلَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى أَنَّهَا
لَا تَرُدُّ طَالِبَ مَالٍ ، لَكِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ وَسِيَاقَهُ يَدُلُّ عَلَى
خِلَافِ ذَلِكَ.
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ اعْتَقَدَ ثُبُوتَهُ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا مَعَ كَوْنِهَا لَا تَمْنَعُ
الرِّجَالَ ، وَهَذَا مِمَّا أَنْكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ ،
فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا
زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ
وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [النور: 3]" انتهى .
وبهذا كله يتبين أن اعتراضك على ما نشر في الموقع ، من شأن الدياثة وما يتعلق
بذلك : غير وجيه ، قد تعجلت في إيراده ، قبل تحرير مقاصد الكلام ، ومعرفة معاني النصوص
.
يسر الله لك أمرك ، وفقهنا وإياك في دينه .
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري |
---|
رد بعض الشبهات حول حرمة إمساك الزوجة الزانية |