عنوان الفتوى : شرح حديث : ( خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ ) .
ما شرح هذا الحديث " خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ، ويمينه شهادته" ؟
الحمد لله
روى البخاري (2652) ، ومسلم (2533) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( خَيْرُ النَّاسِ
قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ
أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ ) .
قَالَ إِبْرَاهِيمُ: "وَكَانُوا يَضْرِبُونَنَا عَلَى الشَّهَادَةِ، وَالعَهْدِ" .
قال النووي رحمه الله :
"الصَّحِيحُ أَنَّ قَرْنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الصَّحَابَةُ ،
وَالثَّانِي : التَّابِعُونَ ، وَالثَّالِثُ : تَابِعُوهُمْ" انتهى من " شرح النووي
على مسلم " (16/85) .
وانظر إجابة السؤال رقم : (219934) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" قوله: (خير الناس) دليل على أن قرنه خير الناس، فصحابته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أفضل من الحواريين الذين هم أنصار عيسى ، وأفضل من النقباء السبعين الذين
اختارهم موسى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وهذه الأفضلية أفضلية من حيث العموم والجنس ، لا من حيث الأفراد ، فلا يعني أنه لا
يوجد في تابعي التابعين من هو أفضل من التابعين ، أو لا يوجد في التابعين من هو
أعلم من بعض الصحابة ، أما فضل الصحبة ، فلا يناله أحد غير الصحابة ولا أحد يسبقهم
فيه ، وأما العلم والعبادة ، فقد يكون فيمن بعد الصحابة من هو أكثر من بعضهم علما
وعبادة " .
انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (10/ 1057-1058) .
قوله: (ثم يجيء قوم) . أي: بعد القرون الثلاثة.
قوله : (تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ) ، قال
القاري رحمه الله :
" قِيلَ: ذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ كَثْرَةِ شَهَادَةِ الزُّورِ وَالْيَمِينِ ،
فَتَارَةً يَحْلِفُونَ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ ، وَتَارَةً
يَعْكِسُونَ. وَقَالَ الْمُظْهِرُ: هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَثَلًا فِي
سُرْعَةِ الشَّهَادَةِ وَالْيَمِينِ، وَحِرْصِ الرَّجُلِ عَلَيْهِمَا،
وَالْإِسْرَاعِ فِيهِمَا، حَتَّى لَا يَدْرِيَ أَنَّهُ بِأَيِّهِمَا يَبْتَدِئُ،
وَكَأَنَّهُ تَسْبِقُ شَهَادَتُهُ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ مِنْ قِلَّةِ
مُبَالَاتِهِ بِالدِّينِ " انتهى من "مرقاة المفاتيح" (6/ 2444) .
وقال ابن الجوزي رحمه الله :
" يعني أنهم لا يتورعون في أقوالهم، ويستهينون بالشهادة واليمين " .
انتهى من "كشف المشكل" (1/ 291) .
وقال المناوي رحمه الله :
" قال البيضاوي كالكرماني: هم قوم حراص على الشهادة مشغوفون بترويجها، يحلفون على
ما يشهدون به، تارة يحلفون قبل أن يشهدوا، وتارة يعكسون " انتهى من "فيض القدير"
(3/ 478)
وقال الشيخ ابن عثيمين :
" قوله: (تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته) . يحتمل ذلك وجهين:
الأول: أنه لقلة الثقة بهم لا يشهدون إلا بيمين، فتارة تسبق الشهادة وتارة تسبق
اليمين.
الثاني: أنه كناية عن كون هؤلاء لا يبالون بالشهادة ولا باليمين، حتى تكون الشهادة
واليمين في حقهم كأنهم متسابقتان.
والمعنيان لا يتنافيان، فيحمل عليهما الحديث جميعا.
وقوله: (ثم يجيء قوم) يدل على أنه ليس كل أصحاب القرن على هذا الوصف؛ لأنه لم يقل:
ثم يكون الناس، الفرق واضح " انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (10/ 1057) .
فمعنى الحديث : أنه يجيء بعد القرون الفاضلة أقوام لا يؤتمنون على شهاداتهم وأيمانهم ، ويكثر فيهم الكذب .
قوله: "وقال إبراهيم" هو
إبراهيم النخعي، من فقهاء التابعين .
قوله: " كانوا يضربوننا على الشهادة " .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" أي: يضربوننا عليها إن شهدنا زورا، أو إذا شهدنا ولم نقم بأدائها، ويحتمل أن
المراد بذلك ضربهم على المبادرة بالشهادة والعهد، وبه فسر ابن عبد البر.
قوله: " والعهد " . أي: إذا تعاهدوا يضربونهم على الوفاء بالعهد.
قوله: " ونحن صغار " الجملة حالية، وإنما يضربونهم وهم صغار للتأديب.
ويستفاد من كلام إبراهيم أن الصبي تقبل منه الشهادة ؛ لأن قوله: (ونحن صغار) ،أي:
لم يبلغوا، وهذا محل خلاف بين أهل العلم.
فقال بعضهم: يشترط لأداء الشهادة أن يكون بالغا، فإذا تحمل وهو صغير؛ لم تقبل منه
حتى يبلغ.
وقال بعضهم: شهادة الصغار بعضهم على بعض مقبولة تحملا وأداء ؛ لأن البالغ يندر أن
يوجد بين الصغار .
وقال بعضهم: تقبل شهادة الصغار بعضهم على بعض إن شهدوا في الحال ؛ لأنه بعد التفرق
يحتمل النسيان أو التلقين ، ولا يسع العمل إلا بهذا، وإلا لضاعت حقوق كثيرة بين
الصبيان.
ويستفاد من هذا الأثر: جواز ضرب الصبي على الأخلاق إذا لم يتأدب إلا بالضرب " .
انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (10/ 1058-1059)
وانظر للفائدة إجابة السؤال رقم : (218999)
.
والله أعلم .