عنوان الفتوى : كيف ننمي تقوى الله في قلوبنا ؟
كيف نرفع منسوب التقوى في قلوبنا ؟ إنني أضيع الوقت في مشاهدة التلفاز والألعاب ، فما العمل ؟
الحمد لله
أولا :
أمر الله عز وجل بتقواه ، وأخبر أن التقوى هي عنوان الفلاح والنجاح في الدنيا
والآخرة ، فقال عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) آل عمران/ 102، وقال عز
وجل : (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) النور/ 52
وأخبر أنه سبحانه مع المتقين، فقال : (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا
وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) النحل/ 128 ، وأنه وليهم ، فقال : (وَاللَّهُ
وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) الجاثية/ 19 ، وأن العاقبة للمتقين، فقال : (وَالْعَاقِبَةُ
لِلْمُتَّقِينَ) الأعراف/ 128، وأنهم أهل النجاة والفوز في الدنيا والآخرة، فقال :
(وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فصلت/ 18، وقال : (ثُمَّ
نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا) مريم/ 72 ، وقال : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا)
النبأ/ 31. والمتقون من المؤمنين هم أولياء الله ، (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ
لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ
يَتَّقُونَ) يونس/62، 63. والآيات في ذلك كثيرة .
ثانيا :
التقوى هي فعل ما أمر الله به ، وترك ما نهى عنه .
ومما يعين العبد على ذلك : التفكر في أمر الدنيا والآخرة ، ومعرفة قدر كل منهما ،
فإن هذه المعرفة لا بد أن تقود الإنسان إلى السعي إلى الفوز في الأخرة بنعيم الجنان
، والنجاة من النار ، ولذلك أخبرنا الله عز وجل عن الجنة أنها (أُعِدَّتْ
لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران/133.
ومما يزيد التقوى في القلوب : اجتهاد الإنسان في طاعة الله تعالى ، فإن الله يكافئه على ذلك بزيادة الهداية والتقوى ، فيعينه على القيام بما أمر الله به ، ويفتح له من أبوب الخير والطاعات وييسرها له ما لم يكن يسيرا عليه من قبل . قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) محمد/17.
ومما يصل بالإنسان إلى التقوى : الحرص على الصيام ، والإكثار منه ؛ فإن الله
تعالى جعل فيه خاصية تعين العبد على الطاعات وتحببها إليه ، ولذلك قال الله تعالى
عن فرض الصيام : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ
كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة/183
.
ولذلك أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم ، وأكد وصيته ، وأخبر بأنه لا مثل له في
ذلك:
فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرْنِي بِعَمَلٍ،
قَالَ: ( عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عَدْلَ لَهُ )، قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ: ( عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ
لَهُ ) " .
رواه أحمد (22149) ، والنسائي (4/165) وغيرهما ، وصححه الألباني .
ومن ذلك أيضا : التخلق بأخلاق وصفات المتقين التي ذكرها الله تعالى في كتابه ،
قال الله تعالى : ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي
الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ
وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ
بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ
وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ)
البقرة/177.
وقال تعالى : (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا
السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي
السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ
وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ
ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ
يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ
الْعَامِلِينَ) آل عمران/133-136.
ومن ذلك أيضا : التمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، والابتعاد عن البدع
المحدثة في الدين ، قال الله تعالى : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا
فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ
ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الأنعام/ 153 .
ومن ذلك أيضا : الابتعاد عن حرمات الله ، قال الله تعالى : ( تِلْكَ حُدُودُ
اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ
لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) البقرة/ 187.
ومن ذلك أيضا : التفكر في آيات الله الشرعية والكونية ، قال تعالى : (إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) يونس/ 6 . وقال سبحانه : (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا) طه/ 113
ومن ذلك أيضا :
- الإكثار من ذكر الله وتلاوة القرآن .
- مصاحبة أهل الخير الذين ينصحون ويذكّرون ، ومجانبة أهل الشر والبدعة .
- قراءة سير المتقين ، من المؤمنين الصالحين ، من أهل العلم والزهد والعبادة .
وانظر للاستزادة إجابة السؤال رقم : (14041) .
ثانيا :
ينبغي للعاقل أن يستعد للقاء الله تعالى في كل لحظة ، فإنه لا يدري متى يحل به
الموت ، فلا يمكنه استدراك ما قصر فيه ، وحينئذ يندم وقت لا ينفع الندم .
وكل إنسان مسئول يوم القيامة : (عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ ، وَعَنْ شَبَابِهِ
فِيمَ أَبْلَاهُ) رواه الترمذي (2416) ، وصححه الألباني.
والصحة وتوفر الوقت من نعم الله تعالى التي لا يعرف قدرها كثير من الناس إلا بعد
فواتها وضياعها منه ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( نِعْمَتَانِ
مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ ) رواه البخاري
(6412) .
والغبن هو الخسارة في البيع ، فمعنى الغبن هنا : أنه لا يستفيد منها ، بل يخسر صحته
وفراغه ووقته فيما لا ينفعه في الدنيا ولا في الآخرة . وهذا أعظم من خسارة التاجر
في تجارته .
فالعاقل يعلم أنه مقبل على أمر عظيم ، فلا بد أن يستعد له .
وكل تعب في طاعة الله في الدنيا سيكون راحة في الآخرة ، ولذلك كان بعض السلف يجهد
نفسه في طاعة الله ، فكلمه الناس أن يريح نفسه ولو قليلا ، فقال : "راحتَها أريد"
انتهى من " الفوائد " (ص 42) .
وكل راحة وتلذذ بمعصية الله في الدنيا سيعقبها الندم والعذاب إن لم يعف الله عن
صاحبها يوم القيامة .
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري |
---|
كيف ننمي تقوى الله في قلوبنا ؟ |