ثورة الأزهر ومنتهى علاجها
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
ظهر لكل ذي بصر وبصيرة أن المجلس الأعلى للأزهر والمعاهد الدينية لما
يفقه أن هذه الألوف الكثيرة من طلبة العلوم الدينية في حالة ثورة فكرية وجدانية
أثارها شيخه الظواهري بسوء سيرته، ومظاهر سريرته، فمنه بدأت الفتنة وإليه
تعود، ولا علاج لها إلا إخراجه من المشيخة، والمجلس الأعلى - لقبًا لا حكمة
ورأيًا - لم يحاول علاجها إلا بإخضاعهم له تعبيدًا وقهرًا، مع العلم بدرجة احتقارهم
له اعتقادًا ووجدانًا، وإصرارهم على مقته ولعنه سرًّا وإعلانًا، وندائهم بإسقاطه جهرًا
في الأزهر وملحقاته كلها، وفي كل مسجد ومعهد وموقف ومقعد وسوق وشارع،
وبأنهم مثلوا له جنازة تبرأ اليهود والنصارى والمسلمون من تشييعها ودفنها في
مقابرهم، ويعلمون أن جمهور العلماء والمدرسين في الأزهر ومعاهده موافقون للطلبة
في رأيهم وشعورهم.
قرر المجلس ما قرر من الطرد لبعضهم، وتبليغ الحكومة ما يتبع ذلك من
وجوب تجنيدهم فلم يخضعوا، وهدد من لم يحضر الدرس في موعد عينه فلم
يحضروا؛ ولكنه اخترع شبهة قبلها كثير من الناس على علاتها، وهي أنهم
يتحدون أولياء الأمور، ويملون عليهم إرادتهم مطالبين لهم بعزل رئيسهم، ولا
يعقل أن تقبل حكومة أو رياسة أن تكون مأمورة ورعيتها الآمرة، فنصح لهم بعض
الزعماء الذين يحترم رأيهم، وتقبل نصيحتهم أن يعودوا إلى دروسهم ويفسحوا
للحكومة الرشيدة المجال لحل الإشكال ففعلوا، وعادوا وقلوبهم لم تخرج من
صدورهم، واعتقادهم وشعورهم ووجدانهم لا تزال صاحبة السلطان على ألسنتهم
وحركاتهم وسكناتهم، فرأى الشيخ أنهم لم يحضروا الدروس خضوعًا لرياسته، ولا
توبة عن إهانته، فأمر مجلسه الأعلى بإصدار قرار بتعطيل الدروس في الأزهر
والمعاهد كلها، وإلغاء هذه السنة من حسابه، فائتمر، وليكن الدين وعلومه وعشرة
آلاف طالب من طلابه ومئات الألوف من الجنيهات تنفقها الحكومة والأوقاف عليهم،
فداء للشيخ الظواهري بغيض الأمة والملة ولا حرج؛ ولكن الظواهري سيخرج
من الأزهر مذمومًا مدحورًا، ولا يجد له من مجلسه ولا من غيره وليًّا ولا نصيرًا؛
وإنما مطالبة الطلبة بعزله أخرته إلى أجل كما نصحنا لهم في تصدير كتابنا (المنار
والأزهر) .