عنوان الفتوى : بعض الأحكام المتعلقة بغسل اليدين لمن قام من نوم الليل
قرأت حديثاً يقول بضرورة غسل اليدين بعد الاستيقاظ من النوم لأن المرء لا يعلم أين باتت يده ، فهل هذا الحديث صحيح ؟ وكم مرة يجب غسلهما ؟ وهل يُعمل بذلك بعد نوم الليل فقط أم بعد أي نوم كقيلولة بعد الظهر وما شابه ذلك ؟ وهل غسلهما واجب أم مستحب ؟ وماذا لو مسّ شيئاً قبل غسلهما هل يتنجس ذلك الشيء ؟
الحمد لله
أولاً :
نعم ، الحديث صحيح ؛ فقد روى البخاري (162) ، ومسلم (278) – واللفظ له - : عن أبي
هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِذَا اسْتَيْقَظَ
أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ ، فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى
يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ ) .
ثانياً :
غسل اليدين للقائم من نوم الليل ، جاء في بعض روايات الحديث ، أنها تغسل ثلاثاً ،
وفي البعض الآخر التخيير بين غسلها ثلاثاً أو اثنتين ؛ ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى
جواز الاقتصار على المرتين في غسل اليدين لمن قام من نوم الليل ؛ أخذاً برواية
التخيير .
فحديث مسلم السابق ، فيه
التنصيص على الثلاث : ( حتى يغسلها ثلاثاً ) ، وجاء عند النسائي وغيره من حديث أبي
هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله عليه وسلم : ( إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ
اللَّيْلِ فَلَا يُدْخِلْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يُفْرِغَ عَلَيْهَا
مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ
) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح سنن النسائي " .
جاء في " شرح أبي داود
للعيني " (1/280) :
" وذكر فيه الغسل مرتين أو ثلاثاً نحو ما ذكره في الرواية الأولى ، ويستفاد من هذه
الرواية : أنه إذا اكتفى بالغسل مرتين ، يجوز ؛ لأنه مستحب ثلاثاً " انتهى .
ثالثاً :
اختلف أهل العلم رحمهم الله : هل غسل اليدين لمن استيقظ من النوم خاص بنوم الليل ،
أو هو عام في نوم الليل والنهار ؟ على قولين :
والذي عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله : أن الحكم عام في نوم الليل والنهار .
قال العراقي رحمه الله في "
طرح التثريب" (2/42-43) .
" احتج الجمهور بعموم قوله : (من نومه) على أنه لا فرق في ذلك بين الليل والنهار ،
وخالف في ذلك أحمد وداود ، فخصصا هذا الحكم بنوم الليل ؛ لقوله في آخر الحديث : (
أين باتت يده ) ، ولرواية أبي داود وابن ماجه : ( إذا قام أو استيقظ أحدكم بالليل )
.... .
قال أحمد فيما رواه الأثرم عنه : فالمبيت إنما يكون بالليل . قال ابن عبد البر :
أما المبيت فيشبه أن يكون ما قال أحمد صحيحا فيه ؛ لأن الخليل قال في كتاب العين :
البيتوتة دخولك في الليل .... .
وقد خالف أحمد في ذلك صاحبه إسحاق بن راهويه فقال : لا ينبغي لأحد استيقظ ليلًا أو
نهارا إلا أن يغسل يده قبل أن يدخلها الوضوء ، قال : والقياس في نوم الليل أنه مثل
نوم النهار .
وما قاله إسحاق هو الذي عليه عامة العلماء ، وأجابوا عن الحديث بأن ذلك خرج مخرج
الغالب ، ويدل لذلك رواية أبي داود : (أو كانت تطوف يده ) ، ورواية الدارقطني: (أو
طافت يده ) ، ولا يلزم من صيغة (أو) في الروايتين أن يكون ذلك شكا ، بل يجوز أن
يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال : الأمرين معا يريد أين باتت يده في المبيت ؟ أو
أين كانت تطوف يده في نومه مساء كان أو نهارا . انتهى .
وقال الشوكاني رحمه الله تعالى : ويؤيد ما ذهب إليه أحمد وداود ما في رواية الترمذي
، وابن ماجه ، وأخرجه أبو داود ، وساق مسلم إسنادها " إذا استيقظ أحدكم من الليل "
وما في رواية لأبي عوانة ساق مسلم إسنادها أيضا " إذا قام أحدكم للوضوء حين يصبح "
، لكن التعليل بقوله " فإنه لا يدري أين باتت يده " يقتضي إلحاقَ نوم النهار بنوم
الليل ، إنما خص نوم الليل بالذكر للغلبة .
وقال النووي رحمه الله : وحكي عن أحمد في رواية أنه إن قام من الليل كره له كراهة
تحريم ، وإن قام من النهار كره له كراهة تنزيه . قال : ومذهبنا ومذهب المحققين أن
هذا الحكم ليس مخصوصا بالقيام من النوم ، بل المعتبر الشك في نجاسة اليد ، فمتى شك
في نجاستها كره له غمسها في الإناء قبل غسلها ، سواء كان قام من نوم الليل ، أو
النهار ، أو شك " انتهى .
رابعاً :
غسل اليدين ثلاثاً بعد الاستيقاظ من نوم الليل ، مختلف في حكمه ، والذي عليه جمهور
أهل العلم رحمهم الله : أن غسل اليدين في تلك الحال مستحب وليس واجباً ، فلو خالف
الشخص ولم يغسل يديه ، فلا إثم عليه ، كما أنه إذا مس شيئاً قبل أن يغسل يديه ،
فإنه لا يحكم بنجاسة ذلك الشيء الممسوس .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" فَأَمَّا عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ ، فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ
فِي وُجُوبِهِ ؛ فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ وُجُوبُهُ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ عَنْهُ ،
وَاخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ
وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: ( إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ
يُدْخِلَهُمَا الْإِنَاءَ ثَلَاثًا ؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ
بَاتَتْ يَدُهُ ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ : ( فَلَا يَغْمِسْ
يَدَهُ فِي وَضُوءٍ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا ) . وَأَمْرُهُ يَقْتَضِي
الْوُجُوبَ ، وَنَهْيُهُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ .
وَرُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ . وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ
وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَصْحَابُ
الرَّأْيِ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : ( إِذَا
قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) [المائدة: 6] . الْآيَةَ .
قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ فِي تَفْسِيرِهَا : إذَا قُمْتُمْ مِنْ نَوْمٍ .
وَلِأَنَّ الْقِيَامَ مِنْ النَّوْمِ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ الْآيَةِ ، وَقَدْ
أَمَرَهُ بِالْوُضُوءِ مِنْ غَيْرِ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ فِي أَوَّلِهِ ،
وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي حُصُولَ الْإِجْزَاءِ بِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ
قَائِمٌ مِنْ نَوْمٍ ، فَأَشْبَهَ الْقَائِمَ مِنْ نَوْمِ النَّهَارِ ،
وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ، لَتَعْلِيلِهِ بِمَا يَقْتَضِي
ذَلِكَ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : ( فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ )
وَطَرَيَانُ الشَّكِّ عَلَى يَقِينِ الطَّهَارَةِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا ، كَمَا
لَوْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ ، فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى
أَنَّهُ أَرَادَ النَّدْبَ " .
انتهى من " المغني " (1/73) .
وقال النووي رحمه الله :
" النَّهْيُ عَنْ غَمْسِ الْيَدِ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهَا ، وَهَذَا
مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ، لَكِنَّ الْجَمَاهِيرَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ
وَالْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى : أَنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ ، فَلَوْ
خَالَفَ وَغَمَسَ لَمْ يَفْسُدِ الْمَاءُ ، وَلَمْ يَأْثَمِ الْغَامِسُ " انتهى من
" شرح مسلم للنووي " (2/180) .
وجاء في " فتاوى اللجنة
الدائمة - المجموعة الثانية " (4/19) :
" قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن
يدخلهما في الإناء ثلاثا، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ) رواه مسلم .
هل من قام من نوم ليلا ووضع يديه في إناء به ماء ، هل سلب طهورية الماء ولا يجوز
الوضوء به أم باق على الطهورية ويجوز الوضوء به ، فأيهما أصح وأولى ؟
الجواب : النهي الوارد في هذا الحديث أمر تعبدي لا يقتضي تنجيس الماء ، والصحيح
جواز الوضوء به " انتهى .
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :
"وفي قوله: (فإن أحدكم لا يدري أين باتت يدُه)، دليل على أنَّ الماء لا يتغيَّر
الحكم فيه ؛ لأن هذا التَّعليلَ يدلُّ على أن المسألةَ من باب الاحتياط ، وليست من
باب اليقين الذي يُرفَعُ به اليقينُ.
وعندنا الآن يقينٌ ؛ وهو أن هذا الماء طَهُورٌ، وهذا اليقينُ لا يمكنُ رفعُه إلا
بيقين، فلا يُرفَعُ بالشَّكِّ" انتهى .الشرح الممتع (1/50) .
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |