عنوان الفتوى : قامت بتربية ولد وتريد هبة بيت له فهل يلحقها إثم لحرمانها الورثة؟
أنا شاب عمري 20 سنة, وليس لي في الدنيا سوى الله سبحانه, وأمي الذي تبنتني وربتني منذ كان عمري ثلاثة أشهر تقريبًا الى الآن, وتملك منزلًا, وتريد أن تجعل ملكيته باسمي, فهل يلحقها ذنب لحرمانها ورثتها من الميراث؟ علمًا أن وارثها الوحيد أخوها, وأخبرتني أنها ستعطيه مبلغًا من المال تعويضًا عن تراضٍ بينهم, وحالة أخيها المادية طبيعية, ويستطيع أولاده مساعدته, عفوًا للإطالة, وإنما أردت التوضيح قدر المستطاع, وجزاكم الله خير الجزاء في الدنيا والآخرة.
الحمد لله, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه, ومن والاه, أما بعد:
فننبهك ابتداء إلى أنه من الخطأ القول: "ليس لي إلا الله وأمي" لأن هذا فيه نوع تشريك لأمك مع الله تعالى, قال الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - في الزاد عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: لَا تَقُولُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ فُلَانٌ، وَلَكِنْ قُولُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ مَا شَاءَ فُلَانٌ. قال - رحمه الله -: وَفِي مَعْنَى هَذَا الشِّرْكِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ قَوْلُ مَنْ لَا يَتَوَقَّى الشِّرْكَ: أَنَا بِاللَّهِ وَبِكَ، وَأَنَا فِي حَسْبِ اللَّهِ وَحَسْبِكَ، وَمَا لِي إِلَّا اللَّهُ وَأَنْتَ، وَأَنَا مُتَوَكِّلٌ عَلَى اللَّهِ وَعَلَيْكَ، وَهَذَا مِنَ اللَّهِ وَمِنْكَ، وَاللَّهُ لِي فِي السَّمَاءِ وَأَنْتَ لِي فِي الْأَرْضِ، وَوَاللَّهِ وَحَيَاتِكَ، وَأَمْثَالُ هَذَا مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَجْعَلُ فِيهَا قَائِلُهَا الْمَخْلُوقَ نِدًّا لِلْخَالِقِ، وَهِيَ أَشَدُّ مَنْعًا وَقُبْحًا مِنْ قَوْلِهِ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ, فَأَمَّا إِذَا قَالَ: أَنَا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، وَمَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شِئْتَ، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. اهــ.
وعلى هذا يمكنك أن تقول: " ليس لي إلا الله ثم أمي".
وأما عن سؤالك: فالذي فهمناه من السؤال أنك لست ابنًا لتلك المرأة, وإنما ربتك, واعتنت بك, ولعل هذا ما تعنيه بقولك: "تبنتني وربتني" ويجوز لها - وهي في غير مرض مخوف - أن تهب لك ما تريد من أملاكها, وإذا حزت ما وهبته لك فإنه يصير ملكًا لك, ولا نصيب لورثتها فيه بعد مماتها.
وأما إذا وهبتك في مرضها المخوف: فإن هذه الهبة تأخذ حكم الوصية, قال ابن قدامة في المغني:
وَحُكْمُ الْعَطَايَا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ، حُكْمُ الْوَصِيَّةِ فِي خَمْسَةِ أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَقِفَ نُفُوذُهَا عَلَى خُرُوجِهَا مِنْ الثُّلُثِ, أَوْ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ.
الثَّانِي: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِوَارِثٍ إلَّا بِإِجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ فَضِيلَتَهَا نَاقِصَةٌ عَنْ فَضِيلَةِ الصَّدَقَةِ فِي الصِّحَّةِ ...
الرَّابِعُ: أَنَّهُ يُزَاحِمُ بِهَا الْوَصَايَا فِي الثُّلُثِ.
الْخَامِسُ: أَنَّ خُرُوجَهَا مِنْ الثُّلُثِ مُعْتَبَرٌ حَالَ الْمَوْتِ، لَا قَبْلَهُ, وَلَا بَعْدَهُ ... اهــ
وما وهبته لك وحزته في حال صحتها لا حرمة عليها فيه, حتى وإن قَصَدَتْ به حرمان ورثتها على ما ذكره بعض الفقهاء, قال الشبراملسي الشافعي في حاشيته على نهاية المحتاج: أَمَّا مَا وَقَعَ مِنْهُ فِي الصِّحَّةِ, فَيَنْفُذُ مُطْلَقًا, وَلَا حُرْمَةَ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ حِرْمَانَ الْوَرَثَةِ... اهـ.
وذهب البعض إلى أن فيه الإثم؛ لأنه حيلة لإسقاط حق شرعي, وقد سئل ابن حجر الهيتمي - رحمه الله تعالى - عمن أوقف على أولاده الذكور بقصد حرمان الإناث, فقال: إن صدر ذلك الوقف في مرض الموت فهو وصية لوارث, فإن أجازه البنات نفذ, وإن رددنه بطل, وإن صدر في صحته صح, وإن قصد حرمان ورثته صح، وغاية ذلك القصد أن عليه فيه إثمًا, وذلك لا يقتضي بطلان الوقف; لأنه أمر خارج عنه. اهـــ
والله تعالى أعلم.