عنوان الفتوى : زوجة مريضة مرضا شديدا ، وزوجها يهملها تماما !!

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

أختي مريضة في القلب والرئة , بعد الفحوصات قرر الاطباء أنها بحاجة إلى زراعة رئة , والآن مريضة في بيت أهلها منذ 4 شهور من مرضها ، وزوجها غير مهتم بها , ولا بعلاجها منذ 3 شهور من رجوعها من المستشفى , ولا ينفق عليها ولا يزورها , ولا يتصل عليها فقط يتواصل معها عبر الفيس بوك وليس دائما , ولا أحد من أقارب الزوج زارها ، الآن أختي معلقة غير معروف مصيرها ، فبعثنا رجالا للتفاهم معه , ووعد خيرا ، ولم يفي بوعده ، وهو لا يرغب أن تقيم في بيته ، مخافة إن حدث لها شيء أن يتهمه الناس بأنه السبب , مع العلم أن المريضة عمرها 26 سنة ، وزوجها 39 سنة ، وقبل مرضها الأخير قامت بعملية من أجل الإنجاب أكثر من مرة , حتى نجحت إحدى تلك العمليات فحملت ، وأنجبت طفلة ثم توفيت الطفلة , فبدأ الوضع الصحي لها يسوء , مع العلم أن سبب تخثر الدم عند المريضة جاء نتيجة للآثار السلبية للمحاولات المتكررة للإنجاب , الآن المريضة تعاني من تخثر في الدم وقلب ورئة , زيادة على ذلك جلطة خفيفة في اليد اليمنى . السؤال : ما هو الحكم الشرعي الذي يجب أن نقوم تجاه هذا الزوج ، وما هو الحل ؟ مع العلم أن كفاءة الرئة 20% من عملها ، وحسب تقارير طبية أن كفاءة الرئة ستعمل لمدة سنة ـ والأعمار بيد الله ـ ، علاجها طويل جدا , تحتاج شهر أو سنة أو أكثر . الله أعلم . لو بقيت مريضة عند بيت أهلها لمدة سنة وزوجها غير مهتم بواجباته الشرعبة تجاهها ، فكيف ينظر الشرع لهذه المسألة ؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق


الحمد لله
أمر الله سبحانه الرجال أن يعاشروا أزواجهم بالمعروف , حتى وإن كانوا يكرهونهن قال تعالى : (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) النساء/19 .
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله: - " وقوله تعالى : ( فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً ) ، أي : فعَسَى أن يكون صبركم مع إمساككم لهن وكراهتهن : فيه خير كثير لكم في الدنيا والآخرة ، كما قال ابن عباس في هذه الآية : هو أن يَعْطف عليها ، فيرزقَ منها ولداً ، ويكون في ذلك الولد خير كثير ، وفي الحديث الصحيح : ( لا يَفْرَك [ أي : لا يبغضها بغضا شديدا] مؤمنٌ مؤمنةً ، إن سَخِطَ منها خُلُقا رَضِيَ منها آخر ) " .
انتهى من " تفسير ابن كثير " ( 2 / 243 ) .

ولا شك أن من المعاشرة بالمعروف التي أمر الله تعالى بها أن ينفق الزوج على زوجته , وهذا من أعظم حقوقها عليه , وقد نص الله تعالى على ذلك بقوله : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)البقرة/ 233 , وقد سبق الحديث عن وجوب نفقة الزوجة في الفتوى رقم : (3054).

وتشمل النفقة كل ما تحتاجه الزوجة من طعام وشراب وملبس ومسكن حتى العلاج عند بعض أهل العلم , وعلى ذلك فيجب على هذا الزوج أن ينفق على زوجه ، وأن يعالجها من مرضها ، وأن يبذل في ذلك من ماله وجهده بقدر وسعه وطاقته ؛ فإن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها ، ولا يطالبها إلا بما آتاها, قال تعالى : ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا )البقرة/ 286 , وقال تعالى : ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا )الطلاق/ 7.
وينظر جواب السؤال رقم : (83815) .

وأما ما ذكرته من أن هذا الزوج لا يريدها أن تنام في بيته ، حتى إن أصابها ضرر لا ينسب إليه : فهذا ليس من حقه ؛ بل واجب عليه أن يسكنها في بيته ، فإن ذلك من حقوقها عليه , وقد قال الله تعالى في المطلقة : ( لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ )الطلاق/ 1 ، وقال أيضا : ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ) الطلاق/ 6 .
فإذا كان هذا حق للمطلقة ؛ فهو حق للزوجة التي ما زالت في عصمة الزوج من باب أولى .

والواقع أن ما يفعله هذا الزوج ، من إهمال زوجته ، كل هذا الإهمال ، والجفوة البالغة التي يجفوها ، بعيد كل البعد عن الاختلاف في مسألة فقهية ، وهي : هل يلزم لزوج أن ينفق على زوجته من أجل علاجها ؟ بل يتعدى ذلك إلى ترك العشرة بالمعروف ، والإحسان إلى الخلق ، لا سيما الزوجة والأهل ، بل الجفوة والغلظة في المعاملة ، وترك الوفاء ، وحسن العهد مع العشير.
عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي ) . رواه الترمذي (3895) ، وقال : حديث حسن صحيح . وصححه الألباني
فالذي ننصح به هذا الزوج أن يحسن إلى زوجته ويتحمل مرضها ، ويحتسب ما يبذله من مال أو تعب ، حتى يفوز عند الله تعالى ويكون من خير الناس .
وإذا كان يفعل ذلك لكونه لا يستطيع أن ينفق على علاجها فيمكنه التفاهم في ذلك مع أهلها ، وليعلم أن الله تعالى لا يكلفه إلا بما يستطيع .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالكم ، وأن يشفي مريضتكم .
والله أعلم.