عنوان الفتوى : تَفسِيرُ قَولِ أَنَسِ بْن مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ: " إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ، لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ " .

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

وردت أحاديث كثيرة بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصافح النساء ولم يضع يده قط في أيديهن، لكنني رأيت رواية ذات مرة تقول : إن امرأة أخذت النبي صلى الله عليه وسلم من يده ...الخ. فكيف نفهم هذه الرواية ؟

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق


الحمد لله
أولا :
مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية عنه ، ولمسه لها : حرام لا يجوز .
ولا فرق في ذلك بين الشابة والمرأة العجوز .
أما الصغيرة التي لا تُشتهى ، ممن دون سبع سنين : فلا حرج في النظر إليها ومصافحتها .
انظر السؤال رقم : (2459) ، والسؤال رقم : (69824) .

ثانيا :
كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصافح النساء ، وما مست يده يد امرأة أجنبية قط .
ولما أرادت النساء أن يبايعن الرسول صلى الله عليه وسلم بالمصافحة ، اكتفى بمبايعتهن بالكلام وقال لهن : (إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ، إِنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ) رواه النسائي (4181) - وهذا لفظه - وابن ماجة (2874) ، وأحمد (27006) ، وصححه الألباني في "صحيح النسائي" .
وقالت عائشة رضي الله عنها : " قَالَ لَهُنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (انْطَلِقْنَ، فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ) وَلَا وَاللهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ ، غَيْرَ أَنَّهُ يُبَايِعُهُنَّ بِالْكَلَامِ " رواه البخاري (4891) ، ومسلم (1866) .
وفي رواية للبخاري (7214) : " وَمَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ ، إِلَّا امْرَأَةً يَمْلِكُهَا " .
قال ولي الدين العراقي رحمه الله :
" فيه : أنه عليه الصلاة والسلام لم تمس يده قط يد امرأة غير زوجاته وما ملكت يمينه ، لا في مبايعة ، ولا في غيرها ، وإذا لم يفعل هو ذلك مع عصمته وانتفاء الريبة في حقه : فغيره أولى بذلك .
والظاهر أنه كان يمتنع من ذلك لتحريمه عليه ؛ فإنه لم يُعدَّ جوازه من خصائصه " .
انتهى من "طرح التثريب" ( 7 / 44 ، 45 ) .
أما ما رواه البخاري (6072) عن أنس رضي الله عنه أنه قَالَ: " إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ، لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ " .
فقد حمل العلماء هذا الحديث على أن المراد به حسن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم ، وانقياده لتلك الأمة ، وموافقته لها حتى يقضي حاجتها .
ولم يحملوا الأخذ باليد في هذا الحديث على ظاهره في الإمساك باليد ، وهذا أسلوب عربي معروف ، كما في الدعاء : "اللهم خذ بأيدينا إليك" أي : وفقنا للانقياد لك ، لأن من أخذ بيدك فقد انقدت له .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الفتح" (10/490) :
" الْمَقْصُودُ مِنَ الْأَخْذِ بِالْيَدِ : لَازِمُهُ ، وَهُوَ الرِّفْقُ ، وَالِانْقِيَادُ " انتهى .
وقال العيني رحمه الله في "عمدة القاري" (22/ 141):
" الْمرَاد من الْأَخْذ بِيَدِهِ : لَازمه ، وَهُوَ الرِّفْق والانقياد ، يَعْنِي : كَانَ خلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على هَذِه الْمرتبَة، هُوَ أَنه لَو كَانَ لأمة حَاجَة إِلَى بعض مَوَاضِع الْمَدِينَة ، وتلتمس مِنْهُ مساعدتها فِي تِلْكَ الْحَاجة ، واحتاجت بِأَن يمشي مَعهَا لقضائها : لما تخلف عَن ذَلِك حَتَّى يقْضِي حَاجَتهَا " انتهى .
وانظر : "إرشاد الساري" (9/51) ، "مرقاة المفاتيح" (9/ 3713) .

وقد بَيَّن ثابت البناني في روايته عن أنس معنى هذا الحديث ، فروى ابن حبان في "صحيحه" (4527) من طريق ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : " أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَا أُمَّ فُلَانٍ ، خُذِي أَيَّ الطُّرُقِ شِئْتِ ، فَقُومِي فِيهِ حَتَّى أَقُومَ مَعَكِ ) !!
فَخَلَا مَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِيهَا ، حَتَّى قَضَتْ حَاجَتَهَا ".
وصححه الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان .
فليس في هذا الحديث التصريح بمس اليد ، ولا هو مخالف لما جزمت به عائشة رضي الله عنها ، من أن يد النبي صلى الله عليه وسلم ، لم تمس يد امرأة قط .

وأما ما ورد في بعض ألفاظ الحديث عند ابن ماجة (417) ، وأحمد (12780) من طريق عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: " إِنْ كَانَتِ الْأَمَةُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهَا حَتَّى تَذْهَبَ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ، فِي حَاجَتِهَا " .

فالحديث بهذا التمام ضعيف لا يصح ، لتفرد علي بن زيد به ، وهو ضعيف الحديث، ضعفه حماد بن زيد وسفيان بن عيينة وأحمد ويحيى والبخاري وابن خزيمة وغيرهم ، ووصفوه بالاختلاط وسوء الحفظ .
انظر : "ميزان الاعتدال" (3 / 127) ، "تهذيب التهذيب" (7 /283) .
قال البوصيري في "الزوائد" (4/ 230):
" هَذَا إِسْنَاد ضَعِيف لضعف عَليّ بن زيد بن جدعَان " ، وكذا ضعفه محققو مسند الإمام أحمد .
والله أعلم .

أسئلة متعلقة أخري
تَفسِيرُ قَولِ أَنَسِ بْن مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ: " إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ، لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ " .
تَفسِيرُ قَولِ أَنَسِ بْن مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ: " إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ، لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ " .