عنوان الفتوى : ماذا على من أخطا في لفظ من ألفاظ التشهد؟
إذا أخطأ المصلي في نطق ألفاظ التشهد وهو يحرك إصبعه, فهل يعيد الكلمة التي أخطأ فيها, ويستمر في التحريك أم ماذا؟ ولو نسي وحرّكه في موضع لا تحريك فيه, مثل – الشهادتين - حسب قول ابن عثيمين - رحمه الله - فهل يسجد للسهو؟ وإن لم يسجد فهل تبطل صلاته؟ وإن أعاد أي لفظة سهوًا فهل يتوقف عن التحريك - جزاكم الله خيرًا -؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجدر التنبيه أولًا إلى أن المشروع في التشهد ـ عند الجمهور ـ هو الإشارة بالأصبع, وليس تحريكها, جاء في المجموع للنووي: قال أصحابنا: وعلى الأقوال والأوجه كلها: يسن أن يشير بمسبحة يمناه, فيرفعها إذا بلغ الهمزة من قوله: لا إله إلا الله, ونص الشافعي على استحباب الإشارة للأحاديث السابقة, قال أصحابنا: ولا يشير بها إلا مرة واحدة, وحكى الرافعي وجهًا أنه يشير بها في جميع التشهد, وهو ضعيف, وهل يحركها عند الرفع بالإشارة, فيه أوجه: (الصحيح) الذي قطع به الجمهور أنه لا يحركها, فلو حركها كان مكروهًا, ولا تبطل صلاته؛ لأنه عمل قليل.
(والثاني) يحرم تحريكها, فإن حركها بطلت صلاته, حكاه عن أبي علي بن أبي هريرة, وهو شاذ ضعيف.
(والثالث) يستحب تحريكها, حكاه الشيخ أبو حامد, والبندنيجي, والقاضي أبو الطيب, وآخرون. انتهى
وتفصيل هذه المسألة جاء في الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين كما يلي: ولكن السُّنَّة دَلَّت على أنه يُشير بها عند الدعاء فقط؛ لأن لفظ الحديث: «يُحرِّكُها يدعو بها» وقد وَرَدَ في الحديث نَفْيُ التَّحريك, وإثباتُ التحريك, والجمعُ بينهما سهل, فنفيُ التَّحريك يُراد به التَّحريكُ الدَّائم، وإثباتُ التَّحريك يُراد به التَّحريكُ عند الدُّعاء، فكلما دعوت حرِّكْ إشارة إلى علوِّ المدعو سبحانه وتعالى، وعلى هذا فنقول: «السلام عليك أيُّها النبيِّ» فيه إشارة؛ لأن السَّلامَ خَبَرٌ بمعنى الدُّعاءِ، «السَّلامُ علينا» فيه إشارة، «اللهم صَلِّ على محمَّد» فيه إشارة، «اللهم بارك على محمَّد» فيه إشارة، «أعوذ بالله من عذاب جهنَّم» فيه إشارة، «ومِن عذاب القبر» فيه إشارة، «ومِن فتنة المحيا والممات» فيه إشارة، «ومِن فتنة المسيح الدَّجَّال» فيه إشارة، وكُلَّما دعوت تُشيرُ إشارةً إلى عُلُوِّ مَنْ تدعوه سبحانه وتعالى، وهذا أقربُ إلى السُّنَّة. انتهى
وبخصوص التشهد فيجزئ بأي صيغة مأثورة عن النبي صلي الله عليه وسلم.
جاء في المغني لابن قدامة: وبأي تشهد تشهد مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم جاز, نص عليه أحمد, فقال: تشهد عبد الله أعجب إلي، وإن تشهد بغيره فهو جائز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علمه الصحابة مختلفًا دل على جواز الجميع، كالقراءات المختلفة التي اشتمل عليها المصحف. انتهى.
وقد سبق في الفتوى رقم: 8103 بيان الصيغ المأثورة في التشهد، وأن الذي عليه أكثر أهل العلم هو تشهد عبد الله بن مسعود.
وقال جماعة من أهل العلم: من أسقط حرفا من التشهد لم تصح صلاته.
جاء في الإنصاف للمرداوي: قال ابن حامد: رأيت جماعة من أصحابنا يقولون: لو ترك واوًا أو حرفًا أعاد الصلاة, قال الزركشي: هذا قول جماعة، منهم ابن حامد، وغيره, قال في الفروع بعد حكاية تشهد ابن مسعود: وقيل: لا يجزئ غيره، وقيل: متى أخل بلفظة ساقطة في غيره أجزأ. انتهى. وفيه وجه: لا يجزئ من التشهد ما لم يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ذكره ابن تميم. انتهى.
وعلى هذا, فمن أخطأ في التشهد, فليتدارك الخطأ بإصلاحه, ولا يحرك أصبعه عند إصلاح الخطأ, ولا غيره - كما سبق -.
وإذا فعل ذلك فلا سجود عليه, وصلاته صحيحة؛ لأن هذا من جنس الفعل اليسير الذي لا يترتب عليه سجود السهو، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 184193.
وقد تبين لنا من خلال أسئلة سابقة أن السائلة لديها وساوس كثيرة, فلأجل ذلك ننصحها بالإعراض عنها, وعدم الالتفات إليها, فإن ذلك أنفع علاج لها, وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 3086.
والله أعلم.