عنوان الفتوى : الصلاة والصيام حالة الشك في دخول الوقت
في المكان الذي أعيش فيه أسمع أحيانًا أذانًا, وبعده بثوانٍ أسمع أذانًا آخر, وفي فترة معينة سمعت الأول, وبعدها ببضع دقائق سمعت الثاني, لكني أحيانًا لا أسمع إلا الأذان الأقرب مسافة, ومرة لم أنوِ الصيام إلا قبل هذا الأذان مباشرة, فهل يجزئ ذلك؟ وهل يجب عليّ ألا أثق إلا بالأذان الذي أسمع ؟ وما حكم ما صليته بعد الأذان الذي سمعته – أي: الأقرب مسافة -؟ وما حكم الصيام الذي فيه أكل أو شرب قبل هذا الأذان مباشرة؟ وإذا قلتم: إنه يجب أن أكون واثقة بمن يؤذن, فأنا أثق, لكن المشكلة هي في تلك الفترة التي كان أحدهما يسبق الآخر بدقائق.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأحكام الشرعية - من وجوب إمساك الصائم, أو جواز الصلاة - معلقة بدخول الوقت، وليست معلقة بالأذان، والأذان هو إعلام بذلك، وتراجع الفتاوى: 6593، 102884.
وعليه؛ فانظري في التقاويم الموثوق بضبطها، واعملي بها؛ لأنه قد يتعذر عليك الوقوف على العلامات الشرعية للأوقات بنفسك.
وإذا وثقت بأحد المؤذنين؛ لتحريه في الوقت، فيلزمك العمل على هذا الأذان في الصوم، والصلاة.
وأما قولك: " ومرة لم أنوِ الصيام إلا قبل هذا الأذان مباشرة, فهل يجزئ ذلك؟" فطالما أنك تثقين به دون غيره، أو أكثر من غيره، فصومك صحيح.
فأما إن شككت أي أذان كان الصواب: فأما الصوم، فلا قضاء حتى تتيقني أنك أكلت بعد دخول الوقت، فإن شككت فلا عبرة بذلك، وصومك صحيح؛ روى عبد الرزاق، عن ابن عباس: أحل الله لك الشراب ما شككت حتى لا تشك.
وروى عنه أيضًا عن مسلم بن صبيح قال: قال رجل لابن عباس: أرأيت إذا شككت في الفجر، وأنا أريد الصيام؟ قال: كل ما شككت حتى لا تشك.
وجاء في الروض المربع للبهوتي الحنبلي: ومن أكل أو شرب أو جامع شاكًا في طلوع الفجر, ولم يتبين له طلوعه, صح صومه, ولا قضاء عليه, ولو تردد؛ لأن الأصل بقاء الليل. انتهى.
وأما الصلاة: فإن كنت تُصلين بعد الأذان بفترة كافية تتيقنين معها دخول الوقت، فلا بأس.
وأما إن صليت بعد الأذان الذي تشكين فيه مباشرة، بحيث تقع تكبيرة الإحرام قبل بدء أذان سائر المؤذنين، فهذا يوجِب الشك في دخول الوقت، فعليك إعادة ما صليت؛ قال ابن قدامة في الكافي: ومن شك في دخول الوقت، لم يصل حتى يتيقن، أو يغلب على ظنه ذلك بدليل, فإن أخبره ثقة عن علم عمل به، وإن أخبره عن اجتهاد لم يقلده، واجتهد حتى يغلب على ظنه دخوله، فإن صلى فبان أنه وافق الوقت أو بعده، أجزأه؛ لأنه صلى بعد الوجوب, وإن وافق قبله، لم يجزه، لأنه صلى قبل الوجوب.
وقال الحجاوي الحنبلي في الإقناع: ومن شك في دخول الوقت لم يصل, فإن صلى فعليه الإعادة, وإن وافق الوقت, فإن غلب على ظنه دخوله بدليل - من اجتهاد, أو تقليد, أو تقدير الزمان بقراءة, أو صنعة - صلى إن لم يمكنه اليقين بمشاهدة, أو إخبار عن يقين, والأولى تأخيرها قليلًا احتياطًا, إلا أن يخشى خروج الوقت, أو تكون صلاة العصر في يوم غيم, فيستحب التبكير, والأعمى ونحوه يقلد.
وأما قولك: "وإذا قلتم: إنه يجب أن أكون واثقة بمن يؤذن, فأنا أثق, لكن المشكلة هي في تلك الفترة التي كان أحدهما يسبق الآخر بدقائق؟" فطالما أنك تثقين بأحد هؤلاء المؤذنين، فاعملي بقوله, إلا إذا تيقنت خطأه.
والله أعلم.