عنوان الفتوى : الأصل في الأشياء الطهارة فلا يحكم بنجاستها إلا بيقين
أنا فتاة أبلغ من العمر 22 عاما، منذ شهرين دخلت الحمام لأتبول، وسقطت مني قطرة بول على المقعدة، ولم أقم بتطهيرها، ولا أعلم أين سقطت بالتحديد، كما أنني كنت أستحم أثناء الدورة الشهرية وسقطت قطرات دم في أرضية الحمام، وقمت بإزاحتها ببعض الماء ولم أنظر إن كان قد سقط الماء في البلاعة أم لا؟ وإن كانت الأرضية بالفعل قد طهرت أم لا؟ أنا الآن أفكر في أن قطرة البول هذه، والدم يمكن أن يكونا قد نجستا النعال، وبالتالي جميع أرضية الشقة. قرأت كثيرا من الفتاوى، وأن النجاسة لا تنتقل إلا بيقين أنها قد انتقلت. سؤالي هو: ماذا علي بالتحديد أن أفعل؟ وهل هذه وسوسة، علما بأنني ليس لدي أي أمراض نفسية؟ وإن كانت هذه وسوسة فهل يمكنني أن أتغاضى عن هذه القطرة، والدم ولا أهتم إن كان المكان قد طهر أو لا حتى أتعافى؟ وهل أيضا يمكنني التغاضي عن تطهير هذه الأماكن وأرضية الشقة إن كانت هناك مشقة؟؟ أرجو الرد وعدم إحالتي إلى فتاوى أخرى. جزاكم الله كل خير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا بالفتوى رقم: 121334 أحكام أرضية الحمام، وما يتعلق بها من الطهارة، والنجاسة، وذكرنا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فإن أرض الحمام الأصل فيها الطهارة، وما يقع فيها من نجاسة كبول فهو يصب عليه من الماء ما يزيله، وهو أحسن حالا من الطرقات بكثير، والأصل فيها الطهارة، بل كما يتيقن أنه لا بد أن يقع على أرضها نجاسة، فكذلك يتيقن أن الماء يعم ما تقع عليه النجاسة، ولو لم يعلم ذلك، فلا يجزم على بقعة بعينها أنها نجسة، إن لم يعلم حصول النجاسة فيها. انتهى.
وأما النعال التي تُدخل بها دورة المياه، فالأصلُ فيها الطهارة ما لم يُعلم أنه قد أصابتها نجاسة رطبة من أرضية دورة المياه.
وأما قطرات الدم فقد أرقت عليها الماء، ولا يلزمك أكثر من ذلك. وأما قطرة البول فكان ينبغي أن تسكبي الماء على موضعها، ومع هذا فلا يُحكم بنجاسة شيء إلا إذا تحققنا انتقال النجاسة إليه، وعليه فلا يُحكم بنجاسة ما ذكرت. على أن شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ذهب إلى أن يسير النجاسات يعفى عنها مطلقا، -وهو مذهب أبي حنيفة ـ
فقد قال ابن تيمية في الاختيارات: ويعفى عن يسير النجاسة حَتَّى بَعْرِ فَأْرَةٍ، وَنَحْوِهَا فِي الْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَلَوْ تَحَقَّقَتْ نَجَاسَةُ طِينِ الشَّارِعِ عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ. انتهى.
وقال الموصولي الحنفي في الاختيار: النَّجَاسَةُ غَلِيظَةٌ وَخَفِيفَةٌ، فَالْمَانِعُ مِنَ الْغَلِيظَةِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ مِسَاحَةً إِنْ كَانَ مَائِعًا، وَوَزْنًا إِنْ كَانَ كَثِيفًا، وَالْمَانِعُ مِنَ الْخَفِيفَةِ أَنْ يَبْلُغَ رُبُعَ الثَّوْبِ.
ورجح الشيخ العثيمين هذا القول في الشرح الممتع؛ فقال: القول الثَّالث: أنه يُعفَى عن يسير سائر النَّجاسات. وهذا مذهب أبي حنيفة، واختيار شيخ الإِسلام ابن تيميَّة، ولا سيَّما ما يُبتلَى به النَّاس كثيراً كبعر الفأر، وروثه، وما أشبه ذلك، فإِنَّ المشقَّة في مراعاته والتطهُّرِ منه حاصلة، والله تعالى يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]. انتهى.
فعلى فرض تحقق انتقال النجاسة ـ فإنها تكون من النجاسة اليسيرة التي يعفى عنها على قول هؤلاء العلماء، ولا مانع من الأخذ بهذا القول ريثما يشفيك الله تعالى من هذا الداء؛ إذ لا حرج على الموسوس في أن يأخذ بالقول الأيسر؛ لما في ذلك من التخفيف ورفع الحرج، وانظري الفتوى رقم:62420.
على أنه يبعد جداً تحقق انتقال هذه القطرة إلى أي شيء، وعليه فينبغي التغاضي تماماً عن القطرة، والدم.
واعلمي أنه لا دواء للوسوسة أحسن من الإعراض عنها؛ وانظري الفتوى رقم: 3086 ، والفتوى رقم: 51601.
والله أعلم.