عنوان الفتوى : ما معنى قول: الرسول هو النور الذاتي أو النور الإلهي
أنا شاب مغربي عمري 16 سنة، مريض بالوسواس القهري منذ حوالي سنة أو أكثر، وسؤالي هو: عندما نقول: ربنا اغفر لنا وارحمنا فإن لم ترحمنا لنكونن من الخاسرين ـ فهل نقصد حتى الأنبياء والرسل؟ وثانيا: قرأت في أحد المواقع ما يلي: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو النور الذاتي والنور الإلهي ـ فما مدى صحة هذا، لأنني والله اشتدت علي الوساوس، فقلت لو كان يقصد بالنور الإلهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم من نور الله سبحانه وتعالى فهذا شرك ـ والعياذ بالله ـ ولو كان يقصد بها نور الرسالة فلا بأس، وهذا ما قرأته في أحد المواقع الإسلامية، والآن تأتيني وساوس بأنني كفرت مسلما ـ والعياذ بالله ـ والله إنني لم أقصد من قالها، فهل فعلت أي شيء حرام أو مخرج عن الإسلام؟ أرجوكم ردوا علي بسرعة، فأنا أعيش في ضيق وخوف من الكفر والشرك، وجزاكم الله ألف خير.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإذا دعوت بالدعاء الذي ذكرته: ربنا اغفر لنا وارحمنا، فإن لم ترحمنا لنكونن من الخاسرين ـ فاقصد بذلك نفسك, ولا شك أن كل الناس ـ بمن فيهم الأنبياء والرسل ـ محتاجون إلى رحمة الله تعالى ومغفرته, وقد كان الأنبياء والرسل يتوجهون إلى الله تعالى بطلب المغفرة والرحمة، فهذا نبي الله نوح ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ {هود: 47}.
وقبله نبي الله آدم عليه الصلاة والسلام قال: وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ {الأعراف: 23}.
وقال خليل الرحمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ {الشعراء: 82 }.
وكليم الله موسى عليه الصلاة والسلام قَالَ: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {القصص: 16}.
ونبي الله يونس عليه الصلاة والسلام نادى في الظلمات: أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ {الأنبياء: 87}.
وكان من دعاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. متفق عليه من حديث أبي موسى الأشعري.
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ أَحَدًا عَمَلُهُ، قَالُوا وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ. رواه الشيخان وأحمد، وزاد: وَقَالَ بِيَدِهِ فَوْقَ رَأْسِهِ.
وقال عليه الصلاة والسلام: لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ لَكَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ.. رواه ابن ماجه.
والقول إن النبي صلى الله عليه وسلم هو النور الذاتي إن كان المقصود لذات الإله كما قد يُفهم من السياق فلا شك أن هذا القول شرك, فالنبي صلى الله عليه وسلم خلق من خلق الله وليس من ذات الله, ومثل هذه العبارات هي من شقشقات الصوفية في الغالب، ولكن يوصف عليه الصلاة والسلام بأنه نور يهدي به الله خلقه، كما قال تعالى: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ { المائدة: 15}.
قال ابن جرير الطبري في تفسير هذه الآية: يعني بالنور، محمدًا صلى الله عليه وسلم الذي أنار الله به الحقَّ، وأظهر به الإسلام، ومحق به الشرك، فهو نور لمن استنار به يبيِّن الحق. اهـ.
فهو بهذا نور أرسله الله لعباده, وينبغي لك أيها السائل أن تجاهد نفسك على طرد الوسواس وعدم الالتفات له والانسياق وراءه، فإنه شر مبين, وانظر الفتوى رقم: 3086، عن الوسواس القهري: ماهيته علاجه.
والله أعلم.