عنوان الفتوى : يزعم بعضهم أن شهر رمضان في عصر النبوة كان ثابتا في فصل واحد لا يتنقل
هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما صام رمضان لم تكن السنة الهجرية تعتمد على رؤية الهلال ، بل كانت ثابتة كما هو الحال في التاريخ الميلادي؟
الحمد لله
أولا :
الذي تدل عليه نصوص الكتاب والسنة ووقائع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أن شهر
رمضان كان يصام برؤية الهلال ، وينبني على هذا أنه كان يدور في فصول السنة ، ولم
يكن ثابتا كما هو الحال في الأشهر الميلادية ؛ ومن الأدلة على ذلك ، الآتي :
1- أكد القرآن الكريم أن الشهور والأعوام إنما تعرف بسير القمر ومنازله . قال الله
تعالى : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ
مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ) يونس ( 5 ) .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى :
" ( وَقَدَّرَهُ ) أي: القمر ( وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ
السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ) ، فبالشمس تعرف الأيام – أي الليل والنهار - ، وبسير
القمر تعرف الشهور والأعوام " انتهى من " تفسير ابن كثير " ( 4 / 248 ) .
وأكد القرآن على أن عدد شهور السنة اثنا عشر شهرا . قال الله تعالى : ( إِنَّ
عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ
يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ
الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) التوبة ( 36 ) .
قال القرطبي رحمه الله تعالى :
" هذه الآية تدل على أن الواجب تعليق الأحكام من العبادات وغيرها إنما يكون بالشهور
والسنين التي تعرفها العرب " انتهى من " الجامع لأحكام القرآن " ( 10 / 196 ) .
وقال الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى :
" والمراد بالشهور : الشهور القمرية بقرينة المقام ، لأنها المعروفة عند العرب وعند
أغلب الأمم ، وهي أقدم أشهر التوقيت في البشر ، وأضبطها ؛ لأن اختلاف أحوال القمر
مساعد على اتخاذ تلك الأحوال مواقيت للمواعيد ، والآجال ، وتاريخ الحوادث الماضية،
بمجرد المشاهدة " انتهى من " التحرير والتنوير " ( 10 / 180 - 181 ) .
ودلت نصوص القرآن والسنة على أن الشهر إنما يعرف دخوله وخروجه برؤية
الهلال .
قال الله تعالى : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ
لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ) البقرة / 189 .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: ( لاَ تَصُومُوا حَتَّى
تَرَوُا الْهِلَالَ ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ
فَاقْدُرُوا لَهُ ) رواه البخاري ( 1906 ) ومسلم ( 1080 ) .
فهذه الآية والحديث وغيرهما : تدل على أن المعتمد في دخول الشهور وانتهائها هو رؤية
الهلال.
فينتج من كل ما مضى ؛ أن السنة شرعا اثنا عشر شهرا ، مقدرة بالقمر ومنازله ، وليس
بالشمس ، والشهر يدخل برؤية الهلال ، فتكون السنة التي شرعها الله للنبي صلى الله
عليه وسلم ليعتمدها المسلمون في مواقيت عباداتهم ومعاملاتهم : هي السنة القمرية .
والسنة القمرية تنقص عن الشمسية بحوالي أحد عشر يوما ، وهذا يجعل الشهر القمري
يتنقل بين فصول السنة ، ولا يكون ثابتا أبدا .
2- إذا رجعنا إلى حوادث السيرة النبوية - التي ضبط المؤرخون تواريخها
- ثم قارنا بينها سنخرج بنتيجة واحدة ؛ هي أن شهر رمضان كان متنقلا بين فصول السنة
، ومما يدل على ذلك أن غزوة بدر الكبرى كانت في 17 من شهر رمضان في السنة الثانية
من الهجرة ، الموافق 13 مارس (آذار) سنة 624 م .
وبعد ست سنوات وقع فتح مكة ، وكان في يوم 20 من رمضان في السنة الثانية من الهجرة
الموافق 10 يناير (كانون الثاني) سنة 630 م .
وهذا يدل على أن شهر رمضان لم يكن شهرا ثابتا بل كان ينتقل في فصول
السنة .
فبين الغزوتين (غزوة بدر الكبرى وغزوة فتح مكة) ست سنوات . فينقص التاريخ القمري عن
التاريخ الشمسي في هذه السنوات الست 66 يوما تقريبا ، وهو الفرق بين تاريخ الغزوتين
فعلا .
وبهذا تتفق الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة مع حوادث التاريخ والسيرة النبوية ، ويدل ذلك كله على أن شهر رمضان ، وكذلك جميع الشهور القمرية لم تكن ثابتة بل كانت تنتقل في فصول السنة .
ثانيا :
زعم بعض الباحثين أن العرب قبل الإسلام كانت تؤخر الحج كل سنة أحد عشر يوما ، حتى
لا يأتي الحج في وقت غير مناسب للسفر كالحر أو البرد الشديدين .
وهذا القول – وإن كان قد قاله بعض المؤرخين- إلا أنه مجرد قول قد قيل ، وليس هناك
من الروايات الصحيحة ما يثبته .
وقد بنوا على هذا القول أن حجة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في العام التاسع : كانت
في شهر ذي القعدة ، وهذا قول قد أنكره العلماء ، إذ كيف يرسل الرسول أبا بكر
والمسلمين للحج في غير ميقاته الشرعي ؟!
وقد أنزل الله تعالى قرآنا وصف فيه يوم النحر ذلك العام بأنه يوم الحج الأكبر ،
وهذا لا يكون إلا إذا كان الحج في موعده .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى :
" وكيف تصح حجة أبي بكر وقد وقعت في ذي القعدة ، وأنى هذا ؟ وقد قال الله تعالى:
(وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ
أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) ، وإنما نودي بذلك في حجة
أبي بكر ، فلو لم تكن في ذي الحجة ، لما قال تعالى : ( يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ
) " انتهى من " تفسير ابن كثير " ( 4 / 152 ) .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |