عنوان الفتوى : هل يجوز الدعاء اللهم إن كان هذا الأمر شرا لي فاجعله خيرا وقدره لي ؟
هل يجوز أن ادعو الله أن يرزقني بأمر معين وأن أقول " يا رب إن كنت أبعدته لأنه شر لي ، فاجعله خيرا بقدرتك واكتبه من نصيبي" ؛ لأني كما أعلم بأن الأقدار تتغير بالدعاء ؟
الحمد لله
أولاً :
الأصل في المسلم أن يسأل الله تقدير الخير له ، وصرف الشر عنه ، وإذا لم يعلم أن
هذا الأمر خيرٌ له أم شر ، فالمشروع له تعليق الدعاء على علم الله سبحانه وتعالى .
فإن كان خيراً سأل الله حصولَه ، ودعا الله تعالى وألح عليه في الدعاء ، فإنه
سبحانه يجيب دعوة المضطرين الملحين .
وإن كان شراً لم يجز له أن يسأل الله حصولَ الشر .
وإن كان لا يعلم خير هو أو شر فليقل - كما في دعاء الاستخارة - : اللهم إن كان
خيراً فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه ، وإن كان شراً فاصرفه عني واصرفني عنه ،
واقدر لي الخير حيث كان ، ثم رضني به .
قال الحافظ ابن رجب : " الحاجات التي يطلبها العبد من اللَّه عز وجل نوعان:
أحدهما: ما علم أنه خير محض ، كسؤاله خشيته من اللَّه تعالى وطاعته وتقواه ، وسؤاله
الجنة ، والاستعاذة به من النار ، فهذا يُطلَب من اللَّه تعالى بغير تردد ، ولا
تعليق بالعلم بالمصلحة ؛ لأنّه خير محض ، ومصلحة خالصة ؛ فلا وجه لتعليقه بشرط وهو
معلوم الحصول ...
النوع الثاني: ما لا يعلم هل هو خير للعبد أم لا ، كالموت والحياة ، والغنى والفقر
، والولد والأهل ، وكسائر حوائج الدُّنْيَا التي تُجْهَل عواقبها .
فهذه لا ينبغي أن يسأل الله منها إلا ما يعلم فيه الخيرة للعبد ، فإن العبد جاهل
بعواقب الأمور ، وهو مع هذا عاجز عن تحصيل مصالحه ودفع مضاره ، فيتعين عليه أن يسأل
حوائجه من هو عالم قادر ، ولهذا شرعت الاستخارة في الأمور الدنيوية كلها ، وشُرع أن
يقول الداعي في استخارته : " اللَّهُمَّ أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ ،
وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيم ، فَإِنَّكَ
تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ،
ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ -ويسميه
باسمه- خَيْرٌ لِي فِي دِينِي ودُنْيَايَ..." انتهى من " مجموع رسائل ابن رجب"
(1/153).
ثانياً :
لا يشرع للعبد سؤال الله حصول الأمر على كل الأحول خيراً كان أو شراً ، أو دعاؤه "
إن كان حصول هذا الأمر شراً أن يجعله خيراً " ، وذلك لما يلي :
- أن مثل هذا لا يُعرف في السنة ، ولا في كلام السلف ، وإنما يُعرف دعاء الاستخارة
، وهو بخلاف ذلك ، فلا يعدل عنه إلى خلافه .
- أن العبد يدعو ربه دعاء تضرع ومسكنة لييسر له الخير ويدفع عنه الشر ، فإذا كان
كلما رغب في الشيء سأل الله حصوله إن كان خيراً ، وجعْلَه خيراً إن كان شراً : لم
يكن دعاؤه دعاء فقر ومسكنة وتضرع ، بل دعاء تشهٍ ورغبةٍ في حصول المأمول بأي وجه ،
حتى لو كان حصوله شراً فإنه يسأل الله أن يجعله خيراً !! .
وهذا إصرارٌ من العبد أن يحصل له ما يريد ، وهو خلاف كمال التفويض وتسليم الأمر لله
تعالى.
- أن الداعي بمثل هذا يغيب عنه معنى قوله تعالى : ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا
شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) البقرة/ 216.
- الدعاء يرد القضاء إذا كان في رده تحقيق الخير ودفع المكروه والشر ، وحديث (لَا
يَرُدُّ القَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ) : لا يعني أن الدعاء يقلب الشر خيراً ، بل
معناه أن الدعاء سبب من أسباب دفع البلاء بعد انعقاد أسبابه ، وينظر جواب السؤال :
(112094) .
وقد عرضنا هذا السؤال على شيخنا عبد الرحمن البراك حفظه الله تعالى ، فقال :
" هذا الدعاء فيه عدول عن مقتضى الشرع في دعاء الاستخارة ، وإيثار لهواه ورأيه ،
وإصرار على الأمر الذي يريده ، وترك التفويض إلى الله ، ولذلك فهو من الاعتداء في
الدعاء ". انتهى
وينظر للفائدة السؤال رقم : (220639) ،
والسؤال رقم : (105366)
والله أعلم .