عنوان الفتوى : ما الفائدة من صلاة الاستخارة بما أن الأمور مقدرة من قبل؟
بالنسبة لصلاة الاستخارة : يجول في خاطر الإنسان أحياناً : ما الفائدة من السؤال والدعاء والسعي ، ما دام أن قضاء الله هو الذي سيحدث ؟
الحمد لله
جعل الله تعالى الدعاء سبباً لحصول المطلوب ، ونيل المرغوب ، وقد أمر به الرب جل
وعلا، فقال : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ
يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) غافر/60 .
إذا فهم هذا لم يبق هناك إشكال ؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقدر الأمور بأسبابها ،
فحصول الولد - مثلا – حين يكتب لابن آدم لا بد أن يسبقه الزواج والجماع كي يأتي
بعده الولد ، فلا يمكن أن تقع النتائج دون أسبابها ، والكون كله مفطور على هذا
النسق من ارتباط الأسباب والمسببات .
وهكذا الدعاء أو ( الاستخارة ) أيضا :
فقد كتب الله تعالى كثيرا من الأقدار معلقة بدعائه وسؤاله عز وجل ، فلا يقع المراد
من غير سببه ، وهو الدعاء ، إلى جانب الأسباب الحسية ، وقد دلت الأحاديث النبوية
على هذا التقرير بكل وضوح .
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ الدُّعَاءَ
يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ ، فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللهِ
بِالدُّعَاءِ ) . رواه الترمذي (3548) وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (3409)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (8/69) - :
" ومن قال : أنا لا أدعو ولا أسأل اتكالاً على القدر ، كان مخطئًا أيضًا ؛ لأن الله
جعل الدعاء
والسؤال من الأسباب التي ينال بها مغفرته ورحمته وهداه ونصره ورزقه ، وإذا قدر
للعبد خيرًا يناله بالدعاء لم يحصل بدون الدعاء ، وما قدره الله وعلمه من أحوال
العباد وعواقبهم فإنما قدره الله بأسباب ، يسوق المقادير إلى المواقيت ، فليس في
الدنيا والآخرة شيء إلا بسبب ، والله خالق الأسباب والمسببات .
فمحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل " انتهى
.
وقال أيضا (8/287) : " قول بعضهم : إن الدعاء ليس هو إلا عبادة محضة ؛ لأن المقدور
كائن ، دعا أو لم يدع .
فيقال له : إذا كان الله قد جعل الدعاء سببًا لنيل المطلوب المقدر ، فكيف يقع بدون
الدعاء ! " انتهى .
وقال ابن القيم في "الجواب الكافي" (ص/4) :
" الدعاء من أنفع الأدوية ، وهو عدو البلاء ، يدافعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه أو
يخففه إذا نزل ، وهو سلاح المؤمن ، وله مع البلاء ثلاث مقامات :
أحدها : أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه .
الثاني : أن يكون أضعف من البلاء ، فيقوى عليه البلاء ، فيصاب به العبد ، ولكن قد
يخففه وإن كان ضعيفا .
الثالث : أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه " انتهى باختصار .
وقال الشيخ ابن عثيمين – كما في "المجموع الثمين من فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح
العثيمين" (1/157) - :
" الدعاء من الأسباب التي يحصل بها المدعو ، وهو في الواقع يرد القضاء ، ولا يرد
القضاء إلا الدعاء ، يعني له جهتان ، فمثلاً : هذا المريض قد يدعو الله تعالى
بالشفاء فيشفى ، فهنا لولا هذا الدعاء لبقي مريضاً ، لكن بالدعاء شُفي ، إلا أنا
نقول : إن الله سبحانه وتعالى قد قضى بأن هذا المرض يشفى منه المريض بواسطة الدعاء
، فهذا هو المكتوب . يظن أنه لولا الدعاء لبقي المرض ، ولكنه في الحقيقة لا يرد
القضاء ؛ لأن الأصل أن الدعاء مكتوب ، وأن الشفاء سيكون بهذا الدعاء ، هذا هو القدر
الأصلي الذي كتب في الأزل ، وهكذا كل شيء مقرون بسبب ، فإن هذا السبب جعله تعالى
سبباً يحصل به الشيء ، وقد كتب ذلك في الأزل قبل أن يحدث " انتهى .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : هل الدعاء يرد القضاء ؟
فأجابوا : "شرع الله سبحانه الدعاء وأمر به ، فقال : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي
أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ، وقال : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ
أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) ، فإذا فعل العبد السبب المشروع ودعا
فإن ذلك من القضاء ، فهو رد القضاء بقضاء إذا أراد الله ذلك ، وقد ثبت في الحديث
الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن العبد ليحرم الرزق بالذنب
يصيبه ، ولا يرد القدر إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر ) " انتهى
. "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/195) .
وسئلوا أيضا (24/243) :
هل يخفف الدعاء من المصائب ، وهل يلطف الله بنا نتيجة الدعاء ؟ كيف يكون ذلك والله
سبحانه وتعالى ينزل المصائب على الناس على الرغم من أنهم يدعونه ؟
فأجابوا :
"الدعاء عبادة لله عز وجل ، وقد أمر الله بدعائه ، فقال تعالى : ( ادْعُونِي
أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ
جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) ، وقال تعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي
فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي
وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ )
والدعاء يخفف المصائب أو يدفعها أو يدفع ما هو أعظم منها ، وقد قال النبي صلى الله
عليه وسلم : ( لا يرد القدر إلا الدعاء ) ، والمصائب إذا وقعت تكفر الذنوب ، وترفع
الدرجات ، وعلى المسلم إذا وقع في مصيبة أن يصبر عليها ويحتسب الأجر من الله عز وجل
، ولا يتضجر من القضاء والقدر " انتهى .
فيتحصل من هذه النقول فهم المسألة إن شاء الله تعالى ، فالمسلم حين يأخذ أمر
الاستخارة والدعاء على أنه سبب من أسباب حصول المطلوب ، فلن يفرط فيه ، ولن يحاول
بلوغ مراده من غير طريقه ، فيكون الدعاء مصدر قوة وباب خير للعبد المسلم كما أراده
الله تعالى .
وانظر لمزيد فائدة جواب السؤال رقم (11749)
.
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري |
---|
ما الفائدة من صلاة الاستخارة بما أن الأمور مقدرة من قبل؟ |