عنوان الفتوى : موقف الإسلام من نظرية النشوء والارتقاء ونظرية التصميم الذكي
ما موقف الإسلام من نظرية النشوء والارتقاء، ونظرية التصميم الذكي؟ وما هو السند في القرآن والسنة الذي يستند إليه من يروي قصة خلق آدم بالطريقة المعروفة حاليا؟ وكيف نفسر توصل العلم إلى حفريات بشرية يفوق عمرها مليون عام ؟؟؟؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أما الموقف من نظرية النشوء والارتقاء فقد سبق بيانه في الفتوى رقم: 4755.
وأما نظرية التصميم الذكي أو التصميم الرشيد، فهي نظرية معارضة لنظرية التطور أو النشوء والارتقاء، يقدمها أصحابها كبديل للتفسير الطبيعي للتطور، ويعزون إحداث معالم العالم الطبيعي إلى محدث أو مصمم ذكي !! وأكثر من اشتهر بها من علماء الأحياء المعاصرين ودافع عنها دفاعاً علمياً هو Michael Behe الأستاذ في علم الأحياء الكيماوية، في كتاب له صدر في عام 1996 بعنوان: (صندوق دارون الأسود: التحدي الأحيائي الكيماوي للتطور). وقد عرض الأستاذ الدكتور جعفر شيخ إدريس فكرة هذا الكتاب في مقال مفيد بعنوان: (خبط عشواء .. أم تقدير حكيم؟) نشر في العدد 221 من مجلة البيان. ونشير هنا إلى أن نظرية التصميم الذكي وإن كانت تثبت محدِثا للطبيعة، إلا إن هذا لا يعني بالضرورة الإيمان بالله تعالى بأسماء جلاله، وصفات كماله كما يعتقد المسلمون !
ولا ريب عندنا ـ نحن المسلمين ـ في صحة أصل هذه النظرية، فلا يمكن أن يوجد هذا الكون من غير موجد ! كما أن المخلوقات لا يمكن أن تكون قد خلقت نفسها، قال الله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ. أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ} [الطور: 35 - 37] وقال سبحانه: {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)} [الواقعة].
وقد سبق لنا بيان هذا في الفتوى رقم: 117924. وتجد فيها إحالات لبيان الأدلة المتلوة، والمرئية على وجود الله جل جلاله، والرد على الشاك في وجوده.
وأما قصة خلق آدم ـ عليه السلام ـ بالطريقة المعروفة فأدلتها من القرآن مستفيضة، وتفصيلها مذكور في سورة البقرة، وسورة الأعراف، وسورة طه ... هذا مع الآيات المفردة الدالة على هذه الحقيقة الثابتة، كقوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 59] وقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ } [المؤمنون: 12] وقوله سبحانه: { الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ } [السجدة: 7] وقوله عز وجل: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [التين: 4] إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة في هذا الموضوع.
ومن أدلة السنة على ذلك حديث الشفاعة المشهور، وفيه: فيقول بعض الناس: ألا ترون إلى ما أنتم فيه، إلى ما بلغكم ألا تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس: أبوكم آدم. فيأتونه فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة، ألا تشفع لنا إلى ربك .."الحديث رواه البخاري ومسلم.
ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر، والأبيض، والأسود وبين ذلك، والسهل، والحزن، والخبيث، والطيب. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وأبو داود وأحمد. وصححه الألباني.
ومنها خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، وفيها قوله: الناس بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب، قال الله: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}. رواه الترمذي، وصححه الألباني.
أما التوصل إلى حفريات بشرية يفوق عمرها المليون عام، فلا إشكال فيه إن ثبت؛ لأننا لا ندعي معرفة الزمان الذي خلق فيه آدم، ومنذ كم أهبط إلى الأرض. وراجع للفائدة الفتوى رقم: 126083.
والله أعلم.