عنوان الفتوى : مذاهب العلماء فيمن ترك شيئًا من مواضع التيمم قليلًا أو كثيرًا
عندنا في العمل مسجد نقيم فيه صلاتي الظهر والعصر، ويؤمنا شخص هو صديق لي، وهو خطيب جمعة، لكني لاحظت عليه أشياء لست أدري هل تصح الصلاة خلفه أم لا، وهذه الأشياء هي: لا يمانع مشاهدة الأفلام الكرتونية التي تحكي قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام, والتي يرسمون فيها الشخصيات, حتى أنهم يرسمون شخصيات يمثلون بها الأنبياء، فعندما أخبرته أنني لا أشاهد ذلك، برر ذلك أن ذلك مفيد في تربية طفله. ثانيًا: يستمع لما يسميه أناشيد, وهي تحتوي على موسيقى، وأظنه يأخذ بالفتوى التي تجيز الاستماع للموسيقى، ثم إن هذا الشخص قال لي يومًا وهو يمدح نشيدًا به موسيقى, وكلماته عبارة عن دعاء: "حاشا لله أن يرد هؤلاء الناس خائبين, وهم يعملون كل هذا الجهد" فكأنه يعتبر النشيد تقربًا لله تعالى. ثالثًا: أراه أحيانًا وهو ذاهب ليصلي بنا لا يتوضأ بل يتيمم بالطريقة التالية: يضرب بيده ويمسح وجهه وظاهر كفيه دون أن يمسح أصابعه ولا كفيه - أي يديه من الداخل - وقد فهمت من حديثه لي أنه يتيمم إذا كان الجو باردًا, وربما يبلغ ذلك معه أنه قد يتيمم أسبوعًا أو أكثر، وأنا لست أدري السبب الحقيقي لفعله ذلك، لكن حتى طريقة تيممه لست أدري هل هي صحيحة أم لا؟ رابعًا: يستمع للمدعو عدنان إبراهيم في سلسلته التي سماها "معاوية في الميزان" فلما حدثته بالموضوع قال لي الجملة التالية: " لقد تريثت قبل أن أستمع لهذه السلسلة" لكنه قال لي أيضًا: إنه قبل أن يستمع لهذه السلسلة كان لا يرتاح حين يترضى عن معاوية - رضي الله عنه - وهو الآن لم يعد يترضى عن معاوية ويتحدث عنه بطريقة لا تعجبني, حيث إنه يذكر أنه فعل كذا, وأمر بقتل فلان, لكنه مع ذلك لا يسبه, ولا يسب أحدًا من الصحابة، وقال لي: إن عدنان إبراهيم يريد تصحيح رؤية المسلم للصحابة, بحيث لا يعطيهم تلك القدسية, ويظن أنهم لا يخطئون, كما أن هذا الصديق قال لي حول الحديث الشريف الذي أخبر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى خلق آدم على صورة الرحمن:" لماذا يكفرونني إن قلت أني أؤمن أن الله تعالى خلق آدم على صورته، أليس ذلك مذكورًا في الحديث الصحيح؟ حتى لو لم يوافقوني فلا يجب أن يكفروني؛ لأني أؤمن بما جاء في الحديث الشريف" ولست أدري كيف أشرح موقفه أكثر, ومن جهة أخرى فإن هذا الشخص أراه يذكر الله كثيرًا, ويذكر به الآخرين, ويحب الخير للناس, فما قولكم هل أصلي خلفه؟ وما واجبي تجاهه - جزاكم الله خيرًا -؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز تمثيل شخصية نبي من الأنبياء، ولا يجوز مشاهدة مثل هذه الأعمال، وقد سبق لنا بيان ذلك في عدة فتاوى، منها الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 10155، 185521، 198637.
وكذلك لا يجوز سماع الأناشيد إذا اختلطت بالموسيقى وآلات اللهو, وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 2351، 62507، 71440.
وأما مسألة التيمم فإنه لا يجوز لمجرد برودة الجو، ما دام استعمال الماء ممكنًا ولو بتدفئته، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 46839.
قال الشوكاني في نيل الأوطار: قال ابن رسلان: لا يتيمم لشدة البرد من أمكنه أن يسخن الماء، أو يستعمله على وجه يأمن الضرر، مثل أن يغسل عضوًا ويستره، وكلما غسل عضوًا ستره ودفأه من البرد، لزمه ذلك, وإن لم يقدر تيمم وصلى في قول أكثر العلماء. اهـ.
ولو تيمم مَن فرْضه الوضوء لعدم وجود العذر المبيح للتيمم، فصلاته باطلة.
وأما الكيفية الصحيحة للتيمم فقد سبق لنا بيانها في الفتوى رقم: 12499.
وأما الاقتصار في مسح اليدين في التيمم على ظاهرهما، فلا يجزئ عند جمهور أهل العلم الذين يشترطون استيعاب محل الفرض بالمسح خلافًا للظاهرية ومن وافقهم من أتباع المذاهب الأربعة، قال ابن قدامة في المغني: يجب مسح جميعه, واستيعاب ما يأتي عليه الماء منها .. وبهذا قال الشافعي, وقال سليمان بن داود: يجزئه إن لم يصب إلا بعض وجهه وبعض كفيه. اهـ.
وقال الكاساني في بدائع الصنائع: استيعاب العضوين بالتيمم هل هو من تمام الركن؟ لم يذكره في الأصل نصًّا, لكنه ذكر ما يدل عليه, فإنه قال: إذا ترك ظاهر كفيه لم يجزه, ونص الكرخي أنه إذا ترك شيئًا من مواضع التيمم قليلًا أو كثيرًا لا يجوز, وذكر الحسن في المجرد عن أبي حنيفة أنه إذا يمم الأكثر جاز ... اهـ.
وقال الحطاب في مواهب الجليل: ما ذكره المصنف من لزوم تعميم الوجه والكفين هو المشهور في المذهب, قال في التوضيح: الاستيعاب مطلوب ابتداء, ولو ترك شيئًا من الوجه ومن اليدين إلى الكوعين لم يجزه على المشهور, وقال ابن مسلمة: إذا كان يسيرًا أجزأه. اهـ.
وقال ابن حزم في المحلى: ليس عليه استيعاب الوجه ولا الكفين. اهـ.
وأما المدعو عدنان إبراهيم، فراجع فيه الفتوى رقم: 206872. وموقفه من معاوية هو موقف أهل البدع، حيث الخبث والكذب والمغالطة، قال الأستاذ داود العتيبي في مقاله حقيقة الدكتور عدنان إبراهيم المتشيع: يقول عنه: دعِي بن دعِي، ويصف ابنه يزيد بأنه ابن حرام، ويصف ميسون بنت بحدل الكلبية زوجة معاوية أنها كانت تهوى سرجون خادم معاوية, ويلعن معاوية لعنًا قبيحًا، ويصفه بأنه دجال عظيم، وعنده عقدة جنسية، وغير ذلك كثير من التهم والنقائص, نقول: معاوية - رضي الله عنه - صحابي مشهود له بالجنة, قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا". قالت أم حرام: قلت: يا رسول الله! أنا فيهم؟ قال: " أنت فيهم". ثم قال النبي: "أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم". فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: "لا". أخرجه البخاري. ومعلوم أن أول جيش غزا البحر هو جيش معاوية، وثبت أن النبي صلى الله وسلم قال فيه: "اللهم اجعله هادياً مهدياً واهده واهد به" أخرجه أحمد وغيره, وسئل الإمام أحمد عن رجل يشتم معاوية أيصلى خلفه؟ قال: لا، ولا كرامة, وسئل أحمد عن من ينتقص في معاوية وعمر بن العاص، أيقال له: رافضي؟ قال: "إنه لم يجترأ عليهما وإلا وله خبيئة سوء" .. وقد نص على فضله وإمامته علماء الأمة وأعلامها، وقد روى عنه كثير من الصحابة أحاديث عدة، وهذا فضل عظيم له، وصرح بفضله غيرهم من التابعين والعلماء كسعيد بن المسيب، وأحمد بن حنبل, وابن المبارك, والمعافى بن عمران, والميموني, وسائر أعلامنا كالبخاري, وابن الجوزي, وابن كثير, والطبري, وابن عبد البر, وابن حجر العسقلاني, وغيرهم كثير, نصوا على فضله وصحابيته, وأن الطاعن فيه خبيث الطوية. اهـ. وراجع للفائدة الفتويين: 34898، 52235.
وأما حديث: إن الله خلق آدم على صورته فقد ذهب جماعة من السلف والخلف إلى حمل الحديث على ظاهره، وأنه لا يستلزم تشبيهًا ولا تمثيلًا، وقد سبق لنا بيان ذلك، وذكر الخلاف في مرجع الضمير في كلمة صورته فراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 2359، 190797، 199975، 198743.
وأما بالنسبة للصلاة خلف صديقك هذا، فالأصل أنها صحيحة حتى لو كان عاصيًا أو مبتدعًا، ما لم تصل بدعته إلى الكفر, وراجع الفتويين: 4159، 9642.
ومن أشد ما ذكرت من حاله بالنسبة لإمامته لكم في الصلاة: أنه يتيمم ولا يتوضأ، فإن كنت تعلم أنه لا يجوز له التيمم لإمكان استعماله الماء، فلا تصل خلفه إذا لم يتوضأ، قال النووي في منهاج الطالبين: لا يصح اقتداؤه بمن يعلم بطلان صلاته، أو يعتقده كمجتهدين اختلفا في القبلة أو إناءين. اهـ.
وأما بقية الأمور فهي وإن كانت من المخالفات الشرعية إلا أن صاحبها قد يعذر بالشبهة, أو التأويل, أو تقليد من يرى الإباحة, فعليك أن تناصحه في هذه الأمور برفق وبصيرة، وهذا يحتاج منك إلى اطلاع واسع على كلام أهل العلم في هذه المسائل.
والله أعلم.