عنوان الفتوى : هل في قوله تعالى : ( حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ) إشارة إلى حث المؤمنات على المكث في بيوتهن ؟
قال جل وعلا عن الحور العين : ( حورٌ مقصورات في الخيام ) . هل في الآية دلالة على أفضلية عدم كثرة الخروج للنساء في الدنيا ؟
الحمد لله.
أولا :
وصف الله تعالى نساء أهل الجنة بأنهن قاصرات أطرافهن عن غير أزواجهن ، فقال : ( فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ ) الرحمن/56 ، وقال : ( حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ) الرحمن/72 .
قال ابن القيم رحمه الله :
" ووصفهن بأنهن ( مقصورات في الخيام ) أي : ممنوعات من التبرج والتبذل لغير أزواجهن ، بل قد قُصِرْن على أزواجهن ، لا يخرجن من منازلهم ، وقَصَرْنَ عليهم فلا يردن سواهم ، ووصفهن سبحانه بأنهن ( قاصرات الطرف ) وهذه الصفة أكمل من الأولى ، فالمرأة منهن قد قصرت طرفها على زوجها ، من محبتها له ورضاها به ، فلا يتجاوز طرفها عنه إلى غيره " انتهى من " روضة المحبين " ( ص 244 ) .
وانظر إجابة السؤال رقم : (60188) ، وإجابة السؤال رقم : (96619) .
ثانيا :
في هاتين الآيتين إشارة لطيفة إلى حث نساء المؤمنين وحضهن على التزام بيوتهن
والقرار فيها ، وعدم الخروج منها إلا للحاجة .
ولاشك أن الله تعالى منّ على الحور العين بأحسن الأوصاف الخَلقية والخُلقية وأكملها
، ومن ذلك : كونهن مقصورات في خيامهن لا يخرجن منها ، وهذا من تمام كونهن مقصورات
على أزواجهن ، لا حظ لأحد فيهن إلا أزواجهن ، فقصرت الواحدة منهن طرفها على زوجها ،
وامتنعت الأعين أن تراها .
وهذا لو تم لنساء أهل الدنيا لما وقعت فتنة ، فكلما استقرت المرأة في بيتها ولم
تخرج ؛ انحسرت الفتنة وقل وجودها ، فإن فتنة النساء من أعظم ما ابتلي به الرجال .
وقد روى الترمذي (1173) وصححه عن ابن مسعود عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، قَالَ : ( المَرْأَةُ عَوْرَةٌ ، فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا
الشَّيْطَانُ ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
قال الشنقيطي رحمه الله :
" اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ أَثْنَى عَلَيْهِنَّ - يعني الحور العين - بِنَوْعَيْنِ
مِنْ أَنْوَاعِ الْقَصْرِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ ، وَالطَّرْفُ الْعَيْنُ ،
وَمَعْنَى كَوْنِهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ هُوَ مَا قَدَّمْنَا ، مِنْ أَنَّهُنَّ
لَا يَنْظُرْنَ إِلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ ، بِخِلَافِ نِسَاءِ الدُّنْيَا .
وَالثَّانِي مِنْ نَوْعَيِ الْقَصْرِ: كَوْنُهُنَّ مَقْصُورَاتٍ فِي خِيَامِهِنَّ ،
لَا يَخْرُجْنَ مِنْهَا ; كَمَا قَالَ تَعَالَى لِأَزْوَاجِ نَبِيِّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى : (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ) ، وَكَوْنُ الْمَرْأَةِ
مَقْصُورَةٌ فِي بَيْتِهَا لَا تَخْرُجُ مِنْهُ مِنْ صِفَاتِهَا الْجَمِيلَةِ ،
وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ; وَمِنْهُ قَوْلُهُ :
مَنْ كَانَ حَرْبًا لِلنِّسَاءِ ** فَإِنَّنِي سِلْمٌ لَهُنَّهْ
فَإِذَا عَثَرْنَ دَعَوْنَنِي ** وَإِذَا عَثَرْتُ دَعُوتُهُنَّهْ
وَإِذَا بَرَزْنَ لِمَحْفِلٍ ** فَقِصَارُهُنَّ مِلَاحُهُنَّهْ
فَقَوْلُهُ : قِصَارُهُنَّ ، يَعْنِي : الْمَقْصُورَاتِ مِنْهُنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ
اللَّاتِي لَا يَخْرُجْنَ إِلَّا نَادِرًا ، كَمَا أَوْضَحَ ذَلِكَ كُثَيِّرُ
عَزَّةَ فِي قَوْلِهِ :
وَأَنْتِ الَّتِي حَبَّبْتِ كُلَّ قَصِيرَةٍ ** إِلَيَّ وَمَا تَدْرِي بِذَاكَ
الْقَصَائِرُ
عَنَيْتُ قَصِيرَاتِ الْحِجَالِ وَلَمْ أُرِدْ ** قِصَارَ الْخُطَا ، شَرُّ
النِّسَاءِ الْبَحَاتِرُ
وَالْحِجَالُ : جَمْعُ حَجْلَةٍ ، وَهِيَ الْبَيْتُ الَّذِي يُزَيَّنُ لِلْعَرُوسِ
، فَمَعْنَى قَصِيرَاتِ الْحِجَالِ : الْمَقْصُورَاتِ فِي حِجَالِهِنَّ " انتهى من
" أضواء البيان " (6/ 313-314) .
وينظر : " غذاء الألباب " للسفاريني (2/ 422-423) .
وقال الشيخ عبد الله آل
محمود رحمه الله :
" وقد وصف الله نساء الجنة بما تتصف به الحرائر العفائف في الدنيا ، فوصفهن بالبيض
المكنون ، ووصفهن بالمقصورات في الخيام " انتهى من " الأخلاق الحميدة للمرأة
المسلمة " (ص4) .
والله أعلم .