عنوان الفتوى : هزيمة جمع المشركين ، وفرارهم يوم بدر .
المشهور أن قتلى بدر من المشركين كانوا سبعين ، وكذلك الأسرى كانوا سبعين ، وكان عددهم في بداية المعركة بين التسعمائة والألف ، فأين ذهب البقية ؟ هل يعقل أن قرابة ثمانمائة وخمسين رجلا فروا من أرض المعركة ؟!
الحمد لله
روى مسلم (1763) ، وأحمد (208) عن ابن عباس قال :
" حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ ،
قَالَ: نَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ
وَهُمْ ثَلاثُ مِائَةٍ وَنَيِّفٌ ، وَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَإِذَا هُمْ
أَلْفٌ ، فَاسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ،
ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ ، وَعَلَيْهِ رِدَاؤُهُ وَإِزَارُهُ ، ثُمَّ قَالَ: (
اللهُمَّ أَيْنَ مَا وَعَدْتَنِي ؟ اللهُمَّ أَنْجِزْ مَا وَعَدْتَنِي ، اللهُمَّ
إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلامِ ، فَلا
تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ أَبَدًا ) ، قَالَ : فَمَا زَالَ يَسْتَغِيثُ رَبَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ ، وَيَدْعُوهُ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ ،
فَأَخَذَ رِدَاءَهُ ، فَرَدَّاهُ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، ثُمَّ قَالَ:
يَا نَبِيَّ اللهِ ، كَفاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا
وَعَدَكَ ، وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ
فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ
) الأنفال/ 9 ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُئِذٍ ، وَالْتَقَوْا ، فَهَزَمَ اللهُ عَزَّ
وَجَلَّ الْمُشْرِكِينَ ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا ، وَأُسِرَ مِنْهُمْ
سَبْعُونَ رَجُلًا ) .
قال ابن كثير رحمه الله :
" الْمَشْهُورُ أَنَّ الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ كَانُوا سَبْعِينَ ، وَالْقَتْلَى
مِنَ الْمُشْرِكِينَ سَبْعِينَ ، كَمَا وَرَدَ فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ " انتهى من "
البداية والنهاية " (5/ 172) .
وفر الباقون من الكفار
هاربين ، بعد أن ألقى الله في قلوبهم الرعب .
قال تعالى : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) القمر/ 45 .
قال أبو محمد القيرواني رحمه الله في " الهداية " (11/7204):
" فصدق الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم وعده ، وهزم المشركين يوم بدر وولوا
هاربين .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لما نزلت (سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر)
جعلت أقول: أي جمع يهزم ؟ فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
: ( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) ، وأكثر المفسرين على أنه يوم بدر ، هزموا فيه ،
وولوا الدبر " انتهى .
وروى الطبري (13/445) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال : " رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَقَالَ: ( إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ
الْعِصَابَةَ فَلَنْ تَعْبُدَ فِي الْأَرْضِ أَبَدًا ) ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ: ( خُذْ قَبْضَةً مِنَ التُّرَابِ ) ، فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنَ
تُرَابِ فَرَمَى بِهَا وُجُوهَهُمْ، فَمَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا
أَصَابَ عَيْنَيْهِ وَمِنْخَرَيْهِ وَفَمَهُ تُرَابٌ مِنْ تِلْكِ الْقَبْضَةِ،
فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ " .
وروى الطبراني في " الكبير " (3128) عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ، قَالَ :" لَمَّا
كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَأَخَذَ كَفًّا مِنَ الْحَصْبَاءِ فَاسْتَقْبَلَنَا بِهِ ، فَرَمَانَا بِهَا،
وَقَالَ : ( شَاهَتِ الْوُجُوهُ ) ، فَانْهَزَمْنَا، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ
وَجَلَّ: ( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى) " ، وحسنه الهيثمي
في " المجمع " (6/84) .
وروى أيضا (11750) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا : " أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ : ( نَاوِلْنِي كَفًّا مِنْ
حَصْبَاءَ ) ، فَنَاوَلَهُ " ، فَرَمَى بِهِ وُجُوهَ الْقَوْمِ، فَمَا بَقِي أَحَدٌ
مِنَ الْقَوْمِ إِلَّا امْتَلَأَتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحَصْبَاءِ " .
قال الهيثمي في "المجمع" (6/84) : " رجاله رجال الصحيح " .
وليس ذلك على الله بعزيز ، فقد قذف في قلوبهم الرعب ، وأمد المسلمين بمدد من عنده ، وكان حقا عليه سبحانه نصر رسوله ونصر المؤمنين ، وما وجه العجب في أن قذف الله الرعب في قلوب أعدائه حتى ولوا مدبرين ، وقد جعلها آية لنبيه : أن ينصره على عدوه بالرعب ، كما ثبت ذلك عنه ، صلى الله عليه وسلم .
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |