عنوان الفتوى : حكم سعي مرتكب الفاحشة لإقامة الحد عليه
باختصار شديد: أنا فتاة متزوجة بعقد فقط، ولم يدخل بي خطيبي خلال فترة الخطبة والتي طالت بدون عذر. تعرفت على شاب أغواني، واصطحبني إلى بيته ونام معي (أي زنا) ولكني ما زلت بكرا؛ لأنه زنا في الدبر، وكنت مكرهة جدا، وكنت أبكي، وتكرر هذا الشيء عدة مرات، وكنت أتوسل له ألا يفعل وألا يجبرني، وأصبت بتورم في المنطقه المقصودة. وتركته، وتبت لما رأيت منه من مشاكل، وحياة فاحشة. ومرت الأعوام وتزوجت، ولكن لا أزال بكرا؛ لأن زوجي أصلا لا يجامعني بدون سبب، والله أعلم ما مشكلته وهو خال من الأمراض، ولا يوجد شيء فقط يقول إنه لا يريد، ومعظم وقته مع أصدقائه، أو مسافر أو أو... منذ خمسة شهور قرأت أن الزنا في الدبر كالزنا العادي، ولم أدر أصلا أن الذي فعلته زنا. فبكيت بكاء مريرا خوفا من الله، وتبت وعزمت على ألا أرجع، ولا أترك فرضا حتى رأيت رؤيا تلك الليلة أن حاكما أو سلطانا يبتسم لي، وقد فسرته على أنه دليل على رضا الرب. ولكني أصر على الحد؛ لأني لا أطيق الحياة وأنا امرأة زانية. ولكن ما الحكم أنا لا أعلم هل هو حد الرجم أم الجلد؟! ولكن أريد الستر أنا بين حيرة خوف الله، وحيرة فضيحة الدنيا!
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله عز وجل أن يتقبل توبتك، وأن يمحو حوبتك، وأن يثبتك على هداه. ثم اعلمي أن المستحب لك أن تستري نفسك، وألا تسعي في إقامة الحد؛ فإن من سعة رحمة الله وفضله أنه شرع لمن تلطخ بالفاحشة أن يتوب فيما بينه وبين ربه، وأن يستر نفسه، وألا يسعى في إقامة الحد، كما جاء في الحديث: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله جل وعلا. أخرجه الحاكم والبيهقي.
وعن أبي هريرة قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من الناس وهو في المسجد، فناداه: يا رسول الله، إني زنيت، يريد نفسه، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله، فقال: يا رسول الله، إني زنيت، فأعرض عنه، فجاء لشق وجه النبي صلى الله عليه وسلم الذي أعرض عنه، فلما شهد على نفسه أربع شهادات، دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أبك جنون» قال: لا يا رسول الله، فقال: «أحصنت» قال: نعم يا رسول الله، قال: «اذهبوا به فارجموه» متفق عليه.
قال ابن حجر: يؤخذ من قضيته أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه، ولا يذكر ذلك لأحد كما أشار به أبو بكر وعمر على ماعز، وأن من اطلع على ذلك يستر عليه بما ذكرنا ولا يفضحه، ولا يرفعه إلى الإمام كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه القصة: لو سترته بثوبك لكان خيرا لك. وبهذا جزم الشافعي- رضي الله عنه- فقال: أحب لمن أصاب ذنبا فستره الله عليه أن يستره على نفسه، ويتوب. واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر .اهـ. من فتح الباري.
وجاء في رواية الموطأ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيشتكي أم به جنة؟».
قال ابن عبد البر: فيه دليل على أن إظهار الإنسان ما يأتيه من الفواحش حمق لا يفعله إلا المجانين، وأنه ليس من شأن ذوي العقول كشف ما واقعه من الحدود والاعتراف به عند السلطان وغيره، وإنما من شأنها الستر على أنفسهم، والتوبة من ذنوبهم، وكما يلزمهم الستر على غيرهم فكذلك يلزمهم الستر على أنفسهم .اهـ.
وانظري الفتوى رقم: 49568
وأما الوطء في الدبر فهو زنا، والحد فيه حد الزنا، على المحصن - وهو من وطئ امرأته في نكاح صحيح، وهما بالغان عاقلان حران - الرجم، وعلى غير المحصن جلد مائة وتغريب عام.
جاء في المغني لابن قدامة: (والزاني من أتى الفاحشة من قبل أو دبر) لا خلاف بين أهل العلم، في أن من وطئ امرأة في قبلها حراما لا شبهة له في وطئها، أنه زان يجب عليه حد الزنى، إذا كملت شروطه. والوطء في الدبر مثله في كونه زنى؛ لأنه وطء في فرج امرأة، لا ملك له فيها، ولا شبهة ملك، فكان زنى، كالوطء في القبل؛ ولأن الله تعالى قال: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم} [النساء: 15] . الآية. ثم بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه «قد جعل الله لهن سبيلا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام. والوطء في الدبر فاحشة، بقوله تعالى في قوم لوط: {أتأتون الفاحشة} [الأعراف: 80] . يعني الوطء في أدبار الرجال، ويقال: أول ما بدأ قوم لوط بوطء النساء في أدبارهن، ثم صاروا إلى ذلك في الرجال. اهـ.
وقال ابن عبد البر: ولا خلاف بين علماء المسلمين أن حد البكر في الزنى غير حد الثيب، وأن حد البكر الجلد وحده، وحد الثيب الرجم وحده، إلا أن من أهل العلم من رأى على الثيب الجلد والرجم جميعا، وهم قليل. روي ذلك عن علي، وعبادة. وتعلق به داود وأصحابه والجمهور على أن الثيب يرجم ولا يجلد .اهـ من التمهيد.
والله أعلم.