عنوان الفتوى : توجيه حديث : ( ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ..)

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

هناك من يقول إنه ثمة تعارض بين حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً : طلوع الشمس من مغربها، والدجال ، ودابة الأرض ) ، وبين ما قرره كثير من الشراح عند قوله صلى الله عليه وسلم : ( ويضع الجزية ) ؛ أي أنه لا يقبل إلا الإسلام أو السيف ، حيث أنه ما دام يقبل من الناس الإسلام ، فإنه ينفع نفس إيمانها في هذا الوقت ، فيكون ظاهر هذا معارضا لقول النبي صلى الله عليه وسلم الأول ، ومعلوم أن عيسى عليه السلام يكون بعد الدجال ، وأنه هو الذي يقتله ، فكيف يدعو الناس للإسلام ولا يقبل غيره ، وفي نفس الوقت لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ؟ السؤال: هناك من يقول إنه ثمة تعارض بين حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً : طلوع الشمس من مغربها، والدجال ، ودابة الأرض ) ، وبين ما قرره كثير من الشراح عند قوله صلى الله عليه وسلم : ( ويضع الجزية ) ؛ أي أنه لا يقبل إلا الإسلام أو السيف ، حيث أنه ما دام يقبل من الناس الإسلام ، فإنه ينفع نفس إيمانها في هذا الوقت ، فيكون ظاهر هذا معارضا لقول النبي صلى الله عليه وسلم الأول ، ومعلوم أن عيسى عليه السلام يكون بعد الدجال ، وأنه هو الذي يقتله ، فكيف يدعو الناس للإسلام ولا يقبل غيره ، وفي نفس الوقت لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ؟

مدة قراءة الإجابة : 10 دقائق


الحمد لله
روى مسلم (158) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا : طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَالدَّجَّالُ ، وَدَابَّةُ الْأَرْضِ ) .
ومعلوم أن الدجال يقتله عيسى ابن مريم عليه السلام ، ويحيا الناس بعد المسيح دهرا قبل أن يُغلق باب التوبة ، وقد روى الضياء المقدسي في " المنتقى من مسموعاته بمرو" (779) عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( طوبى لعيش بعد المسيح ، طوبى لعيش بعد المسيح ، يؤذن للسماء في القطر ويؤذن للأرض في النبات ، فلو بذرت حبك على الصفا لنبت ، ولا تشاح ولا تحاسد ولا تباغض ، حتى يمر الرجل على الأسد ولا يضره ، ويطأ على الحية ولا تضره ، ولا تشاح ولا تحاسد ولا تباغض ) وصححه الألباني في " الصحيحة " (1926) .

وروى البخاري (3448) ، ومسلم (155) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا ، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ ، وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ) .

فكيف الجمع بين ذلك وبين حديث مسلم المتقدم ؟

للعلماء في ذلك أقوال :
القول الأول : أن ذكر الدجال في الحديث وهم .
قال أبو العباس القرطبي رحمه الله في " المفهم " (23/85) في شرحه لهذا الحديث : " يلزم عليه أن يرتفع التكليف بالإيمان وبالتوبة عند خروجه ، والأحاديث الآتية في صفة الدجال تدل على خلاف ذلك على ما سنبينه ، فدل على أن ذكر الدجال مع الطلوع وهم من بعض الرواة ، والله تعالى أعلم " انتهى .

القول الثاني ، وهو قريب من الأول : أن ذكر الدجال في الحديث : تصحيف ، والصواب أنه : ( الدخان ) ، كما في رواية الإمام أحمد (9752) : ( ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَمْ يَنْفَعْ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا : طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَالدُّخَانُ ، وَدَابَّةُ الْأَرْضِ ) .
لكن قال الألباني رحمه الله في " الصحيحة " (7/ 1635) :
" وقع في طبعة "المسند"- بدلاً من: "الدجال "-: "الدخان "! ولا أراه إلا تصحيفاً " انتهى .

القول الثالث : أن هذا المراد من هذا الحديث : أن أحدا لا يجد عند خروج هذه الآيات من عمل ينفعه ، إلا إذا كان قد اعتاد مثل ذلك العمل من قبل ؛ فمنها ما يبهت الناظر فيه عن العمل ، وإن كان لو عمل ، لقبل منه ، لكنه : لدهشته ، وعدم استمساك قدمه في مقام العمل من قبل : لا يعمل شيئا ينفعه .
وإما لأن وقت العمل قد انقضى ، وباب التوبة قد أغلق .
ثم إن تفصيل الفرق بين هذه الآيات ، ما يتعذر معه العمل ، وما لا يقبل معه العمل ، مرجعه إلى النصوص الأخرى المبينة لذلك .
ويشهد لذلك ما رواه مسلم في صحيحه (2947) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوْ الدُّخَانَ أَوْ الدَّجَّالَ أَوْ الدَّابَّةَ أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ أَوْ أَمْرَ الْعَامَّةِ ) .
قال السندي رحمه الله :
" أَيِ : اعْمَلُوا الصَّالِحَاتِ وَاشْتَغِلُوا بِهَا قَبْلَ مَجِيءِ هَذِهِ السِّتِّ الَّتِي هِيَ تَشْغَلُكُمْ عَنْهَا " انتهى من "حاشية سنن ابن ماجة " (2/501) .
وقال ابن رجب رحمه الله :
" وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا تَعُوقُ عَنِ الْأَعْمَالِ ، فَبَعْضُهَا يَشْغَلُ عَنْهُ، إِمَّا فِي خَاصَّةِ الْإِنْسَانَ ، كَفَقْرِهِ وَغِنَاهُ وَمَرَضِهِ وَهَرَمِهِ وَمَوْتِهِ ، وَبَعْضُهَا عَامٌّ ، كَقِيَامِ السَّاعَةِ ، وَخُرُوجِ الدَّجَّالِ ، وَكَذَلِكَ الْفِتْنُ الْمُزْعِجَةُ ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: ( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ) .
وَبَعْضُ هَذِهِ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ لَا يَنْفَعُ بَعْدَهَا عَمَلٌ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام: 158]
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ ، آمَنُوا أَجْمَعُونَ ، فَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسَا إِيمَانِهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا . وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ، لَمْ يَنْفَعْ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا : طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَالدَّجَّالُ ، وَدَابَّةُ الْأَرْضِ . وَفِيهِ أَيْضًا عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ...
فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ الْمُبَادَرَةُ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَيْهَا وَيُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، إِمَّا بِمَرَضٍ أَوْ مَوْتٍ ، أَوْ بِأَنْ يُدْرِكَهُ بَعْضُ هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي لَا يُقْبَلُ مَعَهَا عَمَلٌ .." انتهى من " جامع العلوم والحكم " (2/388) .

القول الرابع : أن عدم الانتفاع بالعمل ، لا يكون إلا بتمام هذه الثلاث الآيات ، وأن خروج الدابة والدجال ، وإن كان مؤذنا بذلك ، وإرهاصا بين يديه ، فإنه لا يستتم ذلك الوعيد ، إلا بخروج الثلاث ، وظاهر النصوص : أن آخرها خروجا : هو طلوع الشمس من مغربها ، وعنده يغلق باب التوبة ، وينقطع النفع بالعمل المستأنف الجديد ، إلا من كان عهده بالإيمان والعمل سابقا لطلوع الشمس .
قال القاري رحمه الله :
" الْمُرَادُ هَذِهِ الثَّلَاثُ بِأَسْرِهَا : طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدَّجَّالُ، وَدَابَّةُ الْأَرْضِ ، وَقَدَّمَ الطُّلُوعَ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا فِي الْوُقُوعِ ; لِأَنَّ مَدَارَ عَدَمِ قَبُولِ التَّوْبَةِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ ضُمَّ خُرُوجُ غَيْرِهِ إِلَيْهِ " انتهى من "مرقاة المفاتيح" (8/ 3451)

وسئل الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله :
جاء في صحيح مسلم : ( ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ؛ طلوع الشمس من مغربها، والدجال ، ودابة الأرض )، فهل التوبة تنقطع إذا خرج الدجال؟
فأجاب :
" الآية التي إذا جاءت لا ينفع نفسا إيمانها هي طلوع الشمس من مغربها، وبذلك فسر قوله تعالى: ( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ) ؛ فالتوبة لا تنقطع إلا إذا طلعت الشمس من مغربها ؛ كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وخروج الدجال سابق لطلوع الشمس من مغربها ، فلا تنقطع التوبة عند خروجه .
وأما الحديث المذكور في السؤال : فلا يدل على انقطاع التوبة وقت خروج أيِّ واحدة من المذكورات، بل المراد إذا خرجن كلهن ، وذلك لا يكون إلا إذا طلعت الشمس من مغربها، فيدل على أن خروج الدجال قبل ذلك ، وكذلك الدابة ، إلا أن خروجها قريب من طلوع الشمس من مغربها " انتهى .
http://goo.gl/XHLz7c

وأقوى هذه الوجوه المذكورة هو القول الرابع ، الأخير ، والقول الثالث .

والله تعالى أعلم .

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...