عنوان الفتوى : حكم إفطار من نوى السفر قبل شروعه في السفر
هل إذا نوى الشخص السفر الشرعي في رمضان، يبيت الفطر من الليلة السابقة لسفره؟ وإذا ما ألغى السفر في يومه كأن تلغى رحلة الطائرة في ذلك اليوم، فهل عليه الإمساك، أم له الفطر حتى يتأكد من سفره؟ وجزاكم الله خير الجزاء،
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا نوى شخص السفر من الغد في رمضان فالواجب عليه أن يبيت نية الصوم، وليس له أن ينوي الفطر، وإنما يستبيح الفطر إذا خرج من البلد وخلف البيوت وراء ظهره، وأما قبل ذلك فلا، فإذا ألغيت رحلة الطائرة فهو على صومه الذي نواه من الليل، قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ حَتَّى يُخَلِّفَ الْبُيُوتَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، يَعْنِي أَنَّهُ يُجَاوِزُهَا وَيَخْرُجُ مِنْ بَيْن بُنْيَانِهَا، وَقَالَ الْحَسَنُ: يُفْطِرُ فِي بَيْتِهِ، إنْ شَاءَ، يَوْمَ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَوْلُ الْحَسَنِ قَوْلٌ شَاذٌّ، وَلَيْسَ الْفِطْرُ لِأَحَدٍ فِي الْحَضَرِ فِي نَظَرٍ وَلَا أَثَرٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ خِلَافُهُ. انتهى.
على أن في جواز الفطر للمسافر في اليوم الذي خرج فيه صائما خلافا بين العلماء، والرخصة في الفطر في هذه الحال هي قول أحمد المشهور عنه، ومذهب إسحق وداود وابن المنذر، ونسوق ههنا كلام ابن قدامة مختصرا في أحوال المسافر في رمضان لتمام الفائدة، قال رحمه الله: ثُمَّ لَا يَخْلُو الْمُسَافِرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ، فَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي إبَاحَةِ الْفِطْرِ لَهُ.
الثَّانِي: أَنْ يُسَافِرَ فِي أَثْنَاء الشَّهْرِ لَيْلًا، فَلَهُ الْفِطْرُ فِي صَبِيحَةِ اللَّيْلَةِ الَّتِي يَخْرُجُ فِيهَا، وَمَا بَعْدَهَا، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. ....
الثالث: أن يسافر في أثناء يوم من رمضان، فَحُكْمُهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَمَنْ سَافَرَ لَيْلًا، وَفِي إبَاحَةِ فِطْرِ الْيَوْمِ الَّذِي سَافَرَ فِيهِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ، إحْدَاهُمَا، لَهُ أَنْ يُفْطِرَ، وَهُوَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَدَاوُد، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، لِمَا رَوَى عُبَيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ، قَالَ: رَكِبْت مَعَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ فِي سَفِينَةٍ مِنْ الْفُسْطَاطِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَدَفَعَ، ثُمَّ قَرَّبَ غَدَاءَهُ، فَلَمْ يُجَاوِزْ الْبُيُوتَ حَتَّى دَعَا بِالسُّفْرَةِ، ثُمَّ قَالَ: اقْتَرِبْ، قُلْت: أَلَسْت تَرَى الْبُيُوتَ؟ قَالَ أَبُو بَصْرَةَ: أَتَرْغَبُ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَكَلَ ـ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلِأَنَّ السَّفَرَ مَعْنًى لَوْ وُجِدَ لَيْلًا وَاسْتَمَرَّ فِي النَّهَارِ لَأَبَاحَ الْفِطْرَ، فَإِذَا وُجِدَ فِي أَثْنَائِهِ أَبَاحَهُ كَالْمَرَضِ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِمَا فِي إبَاحَةِ الْفِطْرِ بِهِمَا، فَأَبَاحَهُ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ كَالْآخَرِ. انتهى.
والله أعلم.