عنوان الفتوى : رد شبهة عن علم الله بالأمور المستقبلية وأنه لا يقع في الكون شيء إلا بمشيئة الله
أعتذر عن هذا
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فاعلم أولًا أن أفضل علاج لوساوس الشيطان التي يلقيها في خاطر العبد أن يستعيذ العبدُ بالله تعالى منه، وقد قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } {الأعراف:200}. وفي الصحيحين من حديث أبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ. فإذا جاءتك تلك الوساوس فاستعذ بالله, واشتغل بما يلهيك عنها.
ولا شك أن الله تعالى يعلم الأمور المستقبلية, فقد أحاط علمه بكل شيء، وقد أخبرنا في كتابه عن الكثير من الأمور التي ستقع, وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ {الحجرات:18}.
والسنة مليئة بالإخبار عن أمور ستقع قبل القيامة, وهي ما تسمى بأشراط الساعة؛ وفي الحديث: مَفَاتِحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ: لَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، وَلَا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا اللَّهُ. رواه البخاري. بل أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى بعض المواصلات التي سيخترعها الناس مستقبلًا - كالسيارة, ونحوها - كما في قوله: سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي رِجَالٌ يَرْكَبُونَ عَلَى سُرُوجٍ، كَأَشْبَاهِ الرِّحَالِ، يَنْزِلُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ, نِسَاؤُهُمْ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، عَلَى رُؤوسِهِنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْعِجَافِ، الْعَنُوهُنَّ، فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ. رواه أحمد والحاكم وغيرهما.
قال الشيخ الألباني - رحمه الله - في السلسلة الصحيحة: الرِّحال جمع رحل، تفسيره كما في المصباح المنير وغيره: "كل شيء يعد للرحيل من وعاء للمتاع ومركب للبعير".
إذا علمت هذا يتبين لك - بإذن الله - أن النبي صلى الله عليه وسلم يشير بذلك إلى هذه المركوبة التي ابتكرت في هذا العصر - ألا وهي السيارات - فإنها وثيرة وطيئة لينة كأشباه الرحال ... ففي الحديث معجزة علمية غيبية أخرى غير المتعلقة بالنساء الكاسيات العاريات، ألا وهي المتعلقة برجالهن الذين يركبون السيارات ينزلون على أبواب المساجد, ولعمر الله إنها لنبوءة صادقة نشاهدها كل يوم جمعة حينما تتجمع السيارات أمام المساجد حتى ليكاد الطريق على رحبه يضيق بها، ينزل منها رجال ليحضروا صلاة الجمعة، وجمهورهم لا يصلون الصلوات الخمس، أو على الأقل لا يصلونها في المساجد، فكأنهم قنعوا من الصلوات بصلاة الجمعة؛ ولذلك يتكاثرون يوم الجمعة، وينزلون بسياراتهم أمام المساجد فلا تظهر ثمرة الصلاة عليهم، وفي معاملتهم لأزواجهم وبناتهم، فهم بحق "نساؤهم كاسيات عاريات .. اهــ
وكل ما يقع في الكون إنما يقع بمشيئة الله تعالى، فلا يقع في الكون شيء قهرًا لا يريده الله؛ قال تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا {سورة الإنسان:30} وانظر المزيد في الفتوى رقم: 104233 عن إرادة الله تعالى الكونية وإرادته الشرعية, والفتوى رقم: 214762 عن كون علم الله شامل محيط بكل شيء لما وقع وما سيقع.
والله تعالى أعلم.