عنوان الفتوى : قتلت صاحبتي نملة فقلت لها: "هنيئًا لك بالذنب" فما حكم فعلها؟ وما حكم قولي؟
قبل فترة كنت جالسة مع إحدى صديقاتي, فرأت نملة فقامت من مكانها إليها وهي بعيدة عنها, وقتلتها, علمًا أنني حذرتها من قتلها ما دامت بعيدة عنها ولم تؤذها, وقد عللت موقفها بأنه من الممكن أن تأتيها وتؤذيها؛ لذا يحل لها قتلها, ومن فرط غضبي قلت: "هنيئًا لك بالذنب" ومقصدي في ذلك أنه لا يجوز أن تقتلها وهي بعيدة ولم تؤذها مع تحذيري لها, وقد ذكر العلماء أنه يُنهى عن قتل النمل غير المؤذي؛ لذا قلتها بلا شعور, فهل قولي هذا خاطئ؟ وهل عليّ ذنب في حكمي السابق؟ مع العلم أنني لا أحب أن أتجرأ في الحكم من غير علمي بأدلته, وقد غلبتني عاطفتي في قولي السابق, فما ردكم - جزيتم خيرًا -؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
النمل أنواع كثيرة, منه المؤذي, ومنه غير المؤذي، فإن كانت النملة التي قتلتها صاحبتك من النمل المؤذي فهي معذورة في ذلك, ووصف فعلها بالذنب خطأ يستغفر منه ويستسمح، والأمر يسير؛ لأنه صدر منك بغير شعور ـ كما وصفت ـ.
وإن كانت من النمل غير المؤذي فهي مخطئة في قتلها, ووصف فعلها بالذنب معتبر؛ لما ذكرته من النهي عن قتل النمل غير المؤذي؛ لحديث ابن عباس قال: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةُ، وَالنَّحْلَةُ، وَالْهُدْهُدُ، وَالصُّرَدُ. رواه أحمد, وأبو داود، وصححه الألباني, وكما قررناه في الفتوى رقم: 2568.
وظاهر كلام جمهور الفقهاء يدل على جواز قتل النمل إذا كان مؤذيًا، وعلى كراهة القتل مع عدم الإيذاء, وإليك خلاصة مذاهبهم:
أما الحنفية: فقد فصلوا في قتل النمل، ففي الفتاوى الهندية: قَتْلُ النَّمْلَةِ تَكَلَّمُوا فِيهَا، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إذَا ابْتَدَأَتْ بِالْأَذَى لَا بَأْسَ بِقَتْلِهَا، وَإِنْ لَمْ تَبْتَدِئْ يُكْرَهُ قَتْلُهَا، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ إلْقَاؤُهَا فِي الْمَاءِ.
وأما المالكية: فمنعوا القتل إلا حال الأذية, وعدم القدرة على تركها، قال في الفواكه الدواني: فَتَلَخَّصَ أَنَّ قَتْلَهَا حَالَ عَدَمِ الْإِذَايَةِ لَا يَجُوزُ, وَحَالَ الْإِذَايَةِ جَائِزٌ جَوَازًا مُسْتَوِيًا إنْ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَرْكِهَا, وَجَوَازًا مَرْجُوحًا عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَرْكِهَا.
أما الشافعية: فقد أطلق النووي منع قتل النمل، وبين الشافعية مراده، فقال البجيرمي في التجريد: قَوْلُهُ: وَنَمْلٍ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُ النَّمْلِ؛ لِصِحَّةِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِ، وَحُمِلَ عَلَى النَّمْلِ السُّلَيْمَانِيُّ، وَهُوَ الْكَبِيرُ، لِانْتِفَاءِ أَذَاهُ، بِخِلَافِ الصَّغِيرِ فَيَحِلُّ قَتْلُهُ، لِكَوْنِهِ مُؤْذِيًا, بَلْ وَحَرْقُهُ إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِهِ.
أما الحنابلة: فقال في منظومة الآداب:
وَيُكْرَهُ قَتْلُ النَّمْلِ إلَّا مَعَ الْأَذَى بِهِ وَاكْرَهَنْ بِالنَّارِ إحْرَاقَ مُفْسِدِ.
قال السفاريني في غذاء الألباب شرح منظومة الآداب: وَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا قَتْلُ النَّمْل - وَاحِدَتُهُ نَمْلَةٌ, وَقَدْ تُضَمُّ الْمِيمُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ - إلَّا مَعَ الْأَذَى الصَّادِرِ بِهِ - أَيْ بِالنَّمْلِ - فَلَا يُكْرَهُ حِينَئِذٍ قَتْلُهُ.
والله أعلم.