عنوان الفتوى : هل كان النبي ينام بثيابه ؟
هل كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام في ثيابه التي يخرج فيها إلى الناس ؟
الحمد لله
أولا :
كان النبي صلى الله عليه وسلم ربما نام في ثيابه التي يخرج فيها إلى الناس ، ويصلي
بهم فيها ؛ فروى البخاري (231) ، ومسلم (289) عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ ، قَالَ
: سَأَلْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ ، عَنِ الْمَنِيِّ يُصِيبُ ثَوْبَ الرَّجُلِ
أَيَغْسِلُهُ أَمْ يَغْسِلُ الثَّوْبَ ؟ فَقَالَ : أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ ( أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْسِلُ الْمَنِيَّ ثُمَّ
يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى أَثَرِ
الْغَسْلِ فِيهِ ) .
وروى أبو داود (366) عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، أَنَّهُ سَأَلَ
أُخْتَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي
الثَّوْبِ الَّذِي يُجَامِعُهَا فِيهِ ؟ فَقَالَتْ: ( نَعَمْ إِذَا لَمْ يَرَ فِيهِ
أَذًى ) .
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
قال في "عون المعبود" :
" ( إِذَا لَمْ يَرَ فِيهِ أَذًى ) : أَيْ مُسْتَقْذَر أَوْ نَجَاسَة ، أَيْ إِذَا
لَمْ يَرَ فِي الثَّوْب أَثَر الْمَنِيّ أَوْ الْمَذْي أَوْ رُطُوبَة فَرْج
الْمَرْأَة " انتهى .
وروى ابن ماجة (541) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً ، فَصَلَّى
بِنَا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ ، قَدْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ ،
فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ،
تُصَلِّي بِنَا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ؟ قَالَ : ( نَعَمْ ، أُصَلِّي فِيهِ ، وَفِيهِ
) أَيْ قَدْ جَامَعْتُ فِيهِ .
وحسنه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .
ثانيا :
كان الناس في الزمان الأول في قلة وضيق من العيش ، فلا يكاد الواحد منهم يجد إلا
الثوب أو الثوبين ، وقد روى أبو داود (1078) عَنِ ابْنِ سَلَامٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول : ( مَا عَلَى أَحَدِكُمْ -
إِنْ وَجَدَ - أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ ، سِوَى ثَوْبَيْ
مِهْنَتِهِ ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
ففي قوله : ( إن وجد ) : دليل على أن الناس كانوا لا يجدون ما يتوسعون به في ملبسهم
، وقد روى البخاري (2071) ، ومسلم (847) عن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قال :
كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَّالَ
أَنْفُسِهِمْ ، وَكَانَ يَكُونُ لَهُمْ أَرْوَاحٌ ، فَقِيلَ لَهُمْ : ( لَوِ
اغْتَسَلْتُمْ ) .
فربما لم يجد أحدهم إلا الثوب الواحد ، يعمل فيه ، ويصلي فيه ، وينام فيه .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم شأنه في العيش شأن أصحابه ، والناس في زمانه ،
بل كان أكثرهم زهادة في رياش الدنيا ومتاعها .
وروى البخاري (358) ومسلم (515) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاَةِ فِي ثَوْبٍ
وَاحِدٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ ؟ ).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قَالَ الْخَطَّابِيُّ " لَفْظُهُ اسْتِخْبَارٌ ، وَمَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَمَّا
هُمْ عَلَيْهِ مِنْ قِلَّةِ الثِّيَابِ " انتهى .
وقال النووي رحمه الله :
" وَمَعْنَى الْحَدِيث : أَنَّ الثَّوْبَيْنِ لَا يَقْدِر عَلَيْهِمَا كُلّ أَحَد ،
فَلَوْ وَجَبَا ، لَعَجَزَ مَنْ لَا يَقْدِر عَلَيْهِمَا عَنْ الصَّلَاة ، وَفِي
ذَلِكَ حَرَج " انتهى .
ثالثا :
مع السعة ووفرة الرزق : فالذي ينبغي للعبد أن يوسع على نفسه ، وأن يُرى أثر نعمة
الله عليه ، وخاصة في لباس الصلاة ؛ لعموم قوله تعالى : ( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا
زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) الأعراف/ 31 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" وَلِهَذِهِ الْآيَةِ ، وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهَا مِنَ السُّنَّةِ ،
يُسْتَحَبُّ التَّجَمُّلُ عِنْدَ الصَّلَاةِ ، وَلَا سِيَّمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ
وَيَوْمَ الْعِيدِ ، وَالطِّيبُ لِأَنَّهُ مِنَ الزِّينَةِ ، وَالسِّوَاكُ
لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ ذَلِكَ " انتهى .
"تفسير ابن كثير" (3/ 406) .
وروى أبو داود (347) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( مَنْ اغْتَسَلَ
يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَسَّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ إِنْ كَانَ لَهَا ، وَلَبِسَ
مِنْ صَالِحِ ثِيَابِهِ ، ثُمَّ لَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ ، وَلَمْ يَلْغُ
عِنْدَ الْمَوْعِظَةِ ؛ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهُمَا ) وحسنه الألباني في
"صحيح أبي داود" .
رابعا :
ينبغي الانتباه إلى أمر مهم هنا ، وهو مراعاة عرف الناس في مثل ذلك الأمر ، وهذا
أمر يختلف باختلاف الزمان والمكان ، ويتفاوت بتفاوت الأشخاص وهيئاتهم ومروءاتهم ،
فإذا كان الخروج إلى المسجد في الملابس المعتادة للنوم ، أمرا مقبولا من شخص معين ،
في مكان وزمان معينين : فلا حرج فيه .
وإن كان خروجه في مثل ذلك ، مما يعاب به في الناس ، أو يعد من خوارم المروءة ، أو
من ملابس الشهرة ، ودواعي القيل والقال ، فليس له أن يفعله وإن كان في أصله مباحا
مشروعا .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (103867)
، ورقم (21216) .
والله تعالى أعلم .
أسئلة متعلقة أخري |
---|
هل كان النبي ينام بثيابه ؟ |
هل كان النبي ينام بثيابه ؟ |