عنوان الفتوى : سبب قتل معاوية رضي الله عنه حجر بن عدي
لماذا قتل معاوية - رضي الله عنه - الصحابي المسمى بحجر بن عدي - رضي الله عنه -؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننبه أولًا إلى أنه قد اختلف في حجر بن عدي هل كان صحابيًا أم تابعيًا, وذكر ابن سعد ومصعب الزبيري فيما رواه الحاكم عنه أنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم هو وأخوه هانئ بن عدي ...
أما البخاري, وابن أبي حاتم عن أبيه, وخليفة بن خياط, وابن حبان فذكروه في التابعين, وكذا ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من أهل الكوفة ...
ثانيا: إن معاوية - رضي الله عنه - لم يكن ليقتل حجرًا لو أنه اقتصر على معارضة معاوية بالقول فقط, ولكن حسب ما ورد في كتب التاريخ أنه انتقل إلى الأفعال مثل ما روي عنه وأصحابه معه أنهم حصبوا عامله وهو على المنبر، وأن حجرًا جمع إليه الجموع, وأظهر شتم معاوية, وخلع طاعته, ودعا إلى حربه, وزعم أن هذا الأمر لا يصلح إلا في آل أبي طالب.
ومعاوية - رضي الله عنه - كان فيه من حلم عثمان وسجاياه، إلا أنه في مواقف الحكم كان يتبصر في عاقبة عثمان وما جر إليه تمادي الذين اجترؤوا عليه، فلمعاوية العذر إذا رأى أن حجرًا ممن سعى في الأرض فسادًا.
ولعل معاوية استند في ذلك إلى قوله صلى الله عليه وسلم: من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه, وفي رواية: إنه ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع, فاضربوه بالسيف كائنًا من كان.
وروى أحمد عن عفان، عن ابن علية عن أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة - أو غيره - قال: لما قدم معاوية المدينة دخل على عائشة فقالت: أقتلت حجرًا؟ فقال: يا أم المؤمنين إني وجدت قتل رجل في صلاح الناس خير من استحيائه في فسادهم.
وقال حماد بن سلمة عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب عن مروان. قال: دخلت مع معاوية على أم المؤمنين عائشة فقالت: يا معاوية قتلت حجرًا وأصحابه وفعلت الذي فعلت، أما خشيت أن أخبأ لك رجلا يقتلك؟ فقال: لا، إني في بيت الأمان، سمعت رسول الله يقول: الإيمان ضد الفتك لا يفتك مؤمن. يا أم المؤمنين, كيف أنا فيما سوى ذلك من حاجاتك وأمرك؟ قالت: صالح, قال: فدعيني وحجرًا حتى نلتقي عند ربنا عز وجل, وفي رواية أنها حجبته, وقالت: لا يدخل عليّ أبدًا، فلم يزل يتلطف حتى دخل فلامته في قتله حجرًا، فلم يزل يعتذر حتى عذرته, وفي رواية: أنها كانت تتوعده, وتقول: لولا يغلبنا سفهاؤنا لكان لي ولمعاوية في قتله حجرًا شأن، فلما اعتذر إليها عذرته.
وعمومًا فقتل معاوية له كان باجتهاد منه بغرض توحيد الكلمة, ودفع الفتن عن جماعة المسلمين, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر. متفق عليه.
ثالثًا: إن معاوية - رضي الله عنه - لم يقتل حجرًا استبدادًا برأيه, وإنما استشار الناس في قتل حجر ومن معه فكان منهم المشير, ومنهم الساكت، ومنهم من قال: إن تعاقبهم فقد جنوا أنفسهم العقوبة, وإن تعفو فإن العفو أقرب للتقوى - يا أمير المؤمنين - وكذلك منهم من قال: إن تعاقبهم فقد أصبت, وإن تعفو فقد أحسنت, وراجع ذلك في مسائل الإمام أحمد بن حنبل – رواية ابن أبي الفضل صالح.
والأصل في قتل ولي الأمر أنه يكون للحق لا للظلم إلا إذا ثبت خلافه.
قال القاضي أبو بكر ابن العربي: فإن قيل: الأصل قتله ظلمًا إلا إذا ثبت عليه ما يوجب قتله, قلنا: الأصل أن قتل الإمام بالحق، فمن ادعى أنه بالظلم فعليه الدليل, ولو كان ظلمًا محضًا لما بقي بيت إلا لعن فيه معاوية, وهذه مدينة السلام دار خلافة بني العباس - وبينهم وبين بني أمية ما لا يخفى على الناس - مكتوب على أبواب مساجدها: خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم معاوية خال المؤمنين - رضي الله عنهم - ولكن حجرًا - فيما يقال - رأى من زياد أمورًا منكرة فحصبه، وخلعه، وأراد أن يقيم الخلق للفتنة، فجعله معاوية ممن سعى في الأرض فسادًا, وقد كلمته عائشة في أمره حين حج، فقال لها: دعيني وحجرًا حتى نلتقي عند الله, وأنتم معشر المسلمين أولى أن تدعوهما حتى يقفا بين يدي الله مع صاحبهما العدل الأمين المصطفى المكين، وانتم ودخولكم حيث لا تشعرون، فما لكم تسمعون؟ اهـ
رابعًا: الأولى بنا الآن ألا نخوض في تلك الأحداث التي انقضت، فقد أفضى أهلها إلى ما قدموا، ولا فائدة لنا الآن في الخوض في تلك الأمور، وأن نلتزم بقولة عمر بن عبد العزيز المشهورة: تلك فتنة عصم الله منها سيوفنا, فلنعصم منها ألسنتنا.
وكما قال شيخ الإسلام: فلنصن ألسنتنا عما حصل بينهم، كما صان الله أيدينا عن ذلك.
ومذهب أهل السنة والجماعة هو الكف عن الخوض في هذه الفتن التي دارت بين الصحابة، واعتقاد أنها كانت عن اجتهاد منهم، المصيب فيها له أجران والمخطئ له أجر, وراجع الفتوى رقم: 188403.
والله أعلم.