عنوان الفتوى : حكم القراءة على الماء للرقية بغير الأذكار الشرعية
بداية: تقبلوا مني خالص الشكر على ما تبذلونه في هذا الموقع من خدمة للأمة الإسلامية, وعندي سؤال فقهي أقلقني كثيرًا, وأنا أبحث عن إجابة عنه منذ شهور, وأرجو منكم أن تفتونني فيه, وتثلجوا صدري, وتوضحوا لي الأمور, فعلمكم أوسع, كيف يؤثر الكلام على الماء؟ وهل يعتبر من ضروب السحر المشروب؟ فقد قرأت على الإنترنت مقالات تدل على أن الماء يتأثر بالكلمات التي تردد عليه, فيأخذ نسقًا جميلًا من الكلمات الحسنة, ونسقًا متفرقًا من الكلمات السيئة, وبذلك يؤثر على جسم الإنسان في هدوئه وتوتره, وإذا رددت مجرد ترديد – فقط - كلمات عشق، وحب، وهدوء - دون نفث, أو عقد, أو أي كلام شركي على ما يشرب - فهل يؤثر على الشخص الذي شربه, ويعتبر من ضروب السحر؟ وقد قمت بتجربة ترديد الكلمات -فقط - ثم عدلت عنها لأنني مللت, ولكني بدأت القراءة حتى وصلت لأمور السحر التي لم يكن لديّ أدنى فكرة عنها, وأنا لم يكن لديّ أدنى فكرة عن العقد, والنفث, والكلام الشركي الذي لا أعرف ما هو أصلًا, ولم أكن أعرف أن هناك ما يسمى بالسحر المشروب, ولم يكن لي أدنى نية في ذلك – بل لم يخطر ببالي - فدخل في نفسي الشك بأنني ربما وقعت في الشرك بالله - والعياذ بالله – وأنني ربما آذيت شخصًا لم أكن أنوي به أي أذى أبدًا, وكان همي أن أخفف المشاحنات فقط, وأنا أخشى الله في أمور أصغر بكثير فكيف بالكبائر؟! وأنا ملتزمة - والحمد لله - ومنذ أربعة أشهر وأنا أبحث عن إجابة, وأشعر بكبد وتعب, وحاولت القراءة في كتاب التوحيد, وقرأت أن ما لم يعقد أو ينفث فليس سحرًا, ولكني أحتاج منكم إجابة, وفتوى قاطعة لأرتاح, وواللهِ إني استغفرت ربي كثيرًا, ولكن الشك ما زال في نفسي, وأنا أبحث عن إجابة قاطعة واضحة صريحة, فأتمنى من حضرتكم أن تجيبوني لأنني تعبت, وأريد أن أرتاح, وشكرًا لكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكلام إذا نفث في الماء قد يؤثر فيه بالنفع كما في الكلمات الشرعية من الكتاب والسنة، وقد يؤثر فيه بالضر كما في الكلمات الشركية من أسماء الشياطين وغيرها.
والمشروع من هذه الكلمات ما اشتملت على ثلاثة شروط:
1- أن تكون بأسماء الله, أو بكلامه, أو صفاته, أو بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الذكر والدعاء.
2- أن تكون باللسان العربي, أو بما يعرف معناه من غيره؛ لئلا تشتمل على شيء غير مفهوم الدلالة مما قد يكون سحرًا أو تعظيمًا للمخلوق.
3- أن يعتقد أنها لا تؤثر بذاتها، بل بتقدير الله تعالى وإرادته، فإذا اجتمع في الكلام هذه الشروط فإنه يعد من الرقية المباحة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا بأس بالرقى ما لم تكن شركًا. رواه مسلم.
قال الشيخ حافظ الحكمي - رحمه الله - في معارج القبول: أَمَّا الرُّقَى الَّتِي لَيْسَتْ بِعَرَبِيَّةِ الْأَلْفَاظِ, وَلَا مَفْهُومَةَ الْمَعَانِي, وَلَا مَشْهُورَةً, وَلَا مَأْثُورَةً فِي الشَّرْعِ الْبَتَّةَ, فَلَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ, وَلَا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي ظِلٍّ وَلَا فَيْءٍ, بَلْ هِيَ وَسْوَاسٌ مِنَ الشَّيْطَانِ أَوْحَاهَا إِلَى أَوْلِيَائِهِ, كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} [الْأَنْعَامِ: 121] وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ"؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِهِ لَا يَدْرِي أَهْوَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى, أَوْ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ, أَوْ مِنْ أَسْمَاءِ الشَّيَاطِينِ, وَلَا يَدْرِي هَلْ فِيهِ كُفْرٌ أَوْ إِيمَانٌ, وَهَلْ هُوَ حَقٌّ أَوْ بَاطِلٌ, أَوْ فِيهِ نَفْعٌ أَوْ ضُرٌّ, أَوْ رُقْيَةٌ أَوْ سِحْرٌ. انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - في القول المفيد: كل ما ليس بسبب شرعي أو قدري، فيعتبر اتخاذه سببًا إشراكًا بالله. انتهى.
وبهذا تعلمين أن ما قمت به من ترديد لتلك الكلمات على الماء أقل أحواله عدم الجواز، وأنه داخل في الشرك الأصغر؛ لأنه ليس سببًا من أسباب النفع والعلاج, لا شرعًا ولا قدرًا، غير أنه لا يعتبر من ضروب السحر إن لم يكن فيه استعانة بالجن, ونفث بالكلمات الشركية.
فالواجب عليك التوبة من ترديد مثل هذه الكلمات، وكذلك التوبة من قراءة المقالات التي تعلم السحر, فإن الاستمرار في قراءة هذه المقالات قد تقودك إلى الانحراف الحقيقي إلى الشرك الأكبر المخرج من الملة, وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتوى: 54002.
والله أعلم.