عنوان الفتوى : حكم الإجبار على التنازل عن المزارعة في مرض الموت
تنازل والدي وهو على فراش الموت لإحدى بناته- بضغط من زوجها - عن قطعة أرض كانت معطاة مزارعة له, وادعى زوجها أن توقيع أخويها في الورقة, أما الأخت الرابعة والأم فلا توقيع لهم, فهل يجوز تنفيذ هذا التنازل شرعًا؟ علمًا أن الورثة لا يعلمون عن هذا التنازل.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فنقول ابتداء: إن المزارعة معناها دفع أرض وحب لمن يزرعه ويقوم عليه, أو دفع مزروع لعامل يعمل عليه بجزء مشاع معلوم من المتحصّل, وهذا النوع من العقود لا تنتقل به الأرض إلى ملكية العامل, بل تبقى ملكًا لصاحبها, ولذا لا يصح تنازل المزارع عنها لأحد من ورثته, سواء تنازل عنها في صحته, أو في مرضه المخوف, فكيف يتنازل والدك عما لا يملك, كما أن هذا النوع من العقود يبطل بالموت عند الحنابلة والحنفية, جاء في الموسوعة الفقهية: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُزَارَعَةَ تُفْسَخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ, سَوَاءٌ صَاحِبُ الأَرْضِ، أَوِ الْمُزَارِعُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتِ الْوَفَاةُ قَبْل زِرَاعَةِ الأرْضِ أَمْ كَانَتْ بَعْدَهَا, وَسَوَاءٌ أَكَانَ الزَّرْعُ بَقْلاً أَمْ بَلَغَ الْحَصَادَ ... وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى ذَلِكَ أَيْضًا وَقَالُوا: إِنَّ عَلَى وَرَثَةِ الْمُزَارِعِ مُتَابَعَةَ الْعَمَل إِذَا كَانَ الْمُزَارِعُ هُوَ الْمُتَوَفَّى، وَكَانَ الزَّرْعُ قَدْ أَدْرَكَ، وَلَكِنَّهُمْ لاَ يُجْبَرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالُوا: هَذَا مَا لَمْ يَكُنِ الْمُزَارِعُ مَقْصُودًا لِعَيْنِهِ، فَإِنْ كَانَ مَقْصُودًا لِعَيْنِهِ لَمْ يَلْزَمْ وَرَثَتَهُ ذَلِكَ ... اهــ
وإن كنت تعني أن القطعة لوالدك, وقد زارع عليها عاملًا أو أن والدك تنازل عن نصيبه من الثمر، فإن تنازله في مرض موته – ولو كان باختياره دون إكراه من أحد - لا ينفذ, ويأخذ حكم الوصية, ولا وصية لوارث, كما فصلناه في الفتوى رقم: 208060 عن حكم العطايا في مرض الموت المخوف, وأيضًا فإن التنازل المعتبر لا يثبت بمجرد دعوى المتنازل له, بل لا بد من إقامة البينة, فإذا لم يقر الورثة بأن الميت وهب شيئًا من أملاكه, فإن الذي يدعي الهبة مطالب بإقامة البينة الشرعية.
ومثل هذه المسائل التي تقع فيها الخصومات الشائكة ينبغي أن يرفع أمرها إلى المحكمة الشرعية, ولا يُكتفى فيها بمجرد سؤال من أحد أطراف النزاع, فننصحكم برفع الأمر إلى المحكمة الشرعية - إن كانت ثَمَّ - أو مشافهة أهل العلم بها بحضور جميع الأطراف.
والله تعالى أعلم.