عنوان الفتوى : علق طلاق زوجته على ركوب المواصلات العامة وكان قصده مجرد التهديد
كان قد حدث خلاف بيني وبين زوجتي ، ومحور الخلاف يدور حول أن زوجتي تريد أن تزور أهلها ولا تريدني أن أوصلها بسيارتي ؛ لأنها غضبانة مني ، ولوجود خصومة بيننا ، فلذلك هي تريد أن تذهب إلى أهلها بالمواصلات العامة بدلاً من سيارتي . فقلت لها :( إياكي أن تركبي المواصلات العامة ، لأنكي إذا ذهبتي بالمواصلات العامة فأنتي طالق ) قاصداً بذلك أمرين : الأول : التهديد والمنع من ركوب المواصلات العامة وليس الطلاق في حد ذاته . الثاني : تعليقي لهذا الطلاق على ركوبها المواصلات كان بناءً على سبب في الأصل وهو:( عدم الانصياع لأوامري ومخالفتها رغبتي في أن أوصلها بسيارتي ) ، وإلا فمجرد ركوبها المواصلات العامة ليس هو السبب الأساسي في تعليقي للطلاق . السؤال: ما هو الراجح من أقوال أهل العلم المحققين وبالدليل في هذا الطلاق ، هل يقع ؟ وهل يمكن التراجع منه خاصة أن الشرط لم يكن محضاً ولكن الشرط نفسه كان بناءً على سبب آخر وهو " مخالفة أوامري" ، ولأني في مجمل قصدي أردت "منعها وتهديدها" ، ولم أقصد أن نفسي قد طابت منها إن خرجت بالمواصلات العامة ؟ وفقط من باب العلم : زوجتي حتي هذه اللحظة لم تخرج بالمواصلات العامة .
الحمد لله
أولا :
الطلاق المعلق على شرط ، كقولك لزوجتك : ( إن ركبت المواصلات العامة فأنت طالق )
فيه خلاف بين أهل العلم :
فجمهور الفقهاء على وقوع الطلاق عند حصول الأمر المعلق عليه .
وذهب بعض أهل العلم وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره - وهو المفتى به في
الموقع - إلى أن هذا التعليق فيه تفصيل يُرجع فيه إلى نية الحالف ؛ فإن قصد بهذا
التعليق ما يُقصد باليمين من الحث على فعل شيء ، أو المنع منه ، أو الزجر عنه ، ولم
يكن يقصد إيقاع الطلاق , فإن هذا حكمه حكم اليمين ، فلا يقع به طلاق عند حصول الأمر
المعلق عليه ، ولكن يلزم الحالفَ كفارة يمين عند الحنث .
أما إن كان يقصد بذلك وقوع الطلاق ، فحينئذ تطلق منه زوجته عند حصول الشرط ، وأمر
نيته يعلمه الله الذي لا تخفى عليه خافية ، فليحذر المسلم من التحايل على ربه ، ومن
خداع نفسه ، ويراجع المزيد حول هذه المسألة في الفتوى رقم : (106232)
.
وعلى ذلك : فما دمت لم تكن تقصد من هذا التعليق إلا مجرد منع امرأتك من استخدام
المواصلات العامة ، ولم تكن تقصد إيقاع الطلاق عليها إذا فعلت ذلك , فهذا – على
المفتى به عندنا - حكمه حكم اليمين , فإن خالَفَت زوجك واستخدمت المواصلات العامة
في تنقلها فقد حصل الحنث , فيلزمك التكفير عن يمينك , وقد سبق بيان كفارة اليمين في
الفتوى رقم : (45676) .
ولو أرادت زوجك أن تمتنع من استخدام المواصلات العامة مستقبلا أيضا ، حتى تحتاط
لأمر دينها ونكاحها ، وتخرج من خلاف الجمهور القائلين بوقوع الطلاق المعلق عند حصول
المعلق عليه مطلقا , فهذا أولى وأحسن ؛ فإن الخروج من الخلاف في مثل هذه الأحوال
مستحب , خصوصا وأنها لم تركبها من وقت الحلف كما ذكرت في سؤالك .
ثانيا :
أما ما تسأل عنه من مسألة حل تعليق الطلاق والتراجع عنه : فالراجح من كلام أهل
العلم وهو الذي عليه جمهورهم عدم جواز حل التعليق , بل يعتبرونه بمجرد صدوره من
الزوج لازما ، لا يسعه التراجع عنه , جاء في " الشرح الممتع على زاد المستقنع " (13
/ 127) : " إذا علق طلاق امرأته على شرط ، فهل له أن ينقضه قبل وقوع الشرط أو لا ؟
مثاله : أن يقول لزوجته: إن ذهبتِ إلى بيت أهلك فأنت طالق ، يريد الطلاق لا اليمين
، ثم بدا له أن يتنازل عن هذا، فهل له أن يتنازل أو لا ؟ الجمهور يقولون : لا يمكن
أن يتنازل ؛ لأنه أخرج الطلاق مِنْ فِيهِ على هذا الشرط ، فلزم كما لو كان الطلاق
منجزاً " انتهى .
والنصيحة لك أيها السائل أن تتجنب استعمال ألفاظ الطلاق في جميع الأحوال ، فإن
الطلاق لم يشرع للتهديد والتخويف ، ولا ينبغي للعاقل أن يتكلم بكلمة تملكه وتأسره ،
وتعرض أسرته للتفكك والتمزق , ثم قد يندم عليها في وقت لا ينفعه فيه الندم , نسأل
الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد .
والله أعلم .