عنوان الفتوى : وقت ومحل النية في الوضوء والصلاة للموسوس وغيره، وحكم التردد فيها
ما هو وقت النية في الوضوء والصلاة بالنسبة للموسوس وغير الموسوس؟ وهل النية في الوضوء قبل التسمية؟ وما هي صيغة التسمية؟ وما هي أدلتكم؟ وكيف يصنع الموسوس في النية بعدما قرأ في كتاب أن التردد يفسخ النية, فيكبر ثم يسلم, ويقول: ترددت في النية؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تضمن سؤالك مسألتين:
المسألة الأولى: وقت النية والتسمية في الوضوء, فوقتُ التسمية ـ بالنسبة للموسوس وغيره ـ عند بداية الوضوء, وتكون مقرونة بالنية عند بعض أهل العلم, وقال بعضهم: تكون النية أولًا ثم البسملة, ويجزئ في التسمية قول: "بسم الله" والأفضل قول: "بسم الله الرحمن الرحيم" وإليك بعض كلام أهل العلم في المسألة:
1ـ جاء في الغرر البهية في شرح البهجة الوردي لزكريا الأنصاري متحدثًا عن سنن الوضوء: فَأُولَاهَا التَّسْمِيَةُ, كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ, وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ, وَغَيْرِهِ؛ لِخَبَرِ: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ» فَيَنْوِي مَعَهَا عِنْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ, كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْفِرْكَاحِ بِأَنْ يَقْرِنُ النِّيَّةَ بِهَا عِنْدَ أَوَّلِ غَسْلِهِمَا كَمَا يَقْرُنُهَا بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ, وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّ قَرْنَهَا بِهَا مُسْتَحِيلٌ؛ لِأَنَّهُ يُسَنُّ التَّلَفُّظُ بِالنِّيَّةِ، وَلَا يُعْقَلُ التَّلَفُّظُ مَعَهُ بِالتَّسْمِيَة. انتهى
2ـ وفي المغني لابن قدامة: فإن التسمية هي قول: بسم الله, لا يقوم غيرها مقامها، كالتسمية المشروعة على الذبيحة، وعند أكل الطعام وشرب الشراب، وموضعها بعد النية قبل أفعال الطهارة كلها؛ لأن التسمية قول واجب في الطهارة، فيكون بعد النية، لتشمل النية جميع واجباتها، وقبل أفعال الطهارة، ليكون مسميًا على جميعها، كما يسمى على الذبيحة وقت ذبحها. انتهى
3ـ وفي المجموع للنووي: وأما حكم المسألة: فالتسمية مستحبة في الوضوء, وجميع العبادات, وغيرها من الأفعال, حتى عند الجماع, واعلم أن أكمل التسمية أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم, فإن قال: باسم الله فقط حصل فضيلة التسمية بلا خلاف. انتهى
المسألة الثانية: وقت النية في الصلاة, فالأصلُ أن تكون مقارنة لتكبيرة الإحرام, ويجوز أن تتقدم عليها بزمن يسير عند جمهور أهل العلم خلافًا للشافعية, ولا فرق في هذا بين الموسوس وغيره, راجع التفصيل في الفتوى رقم: 179533.
ويكفي المصلي نية الصلاة المعينة, وأن تكون جازمة, كأن ينوي بقلبه أنه يريد الإحرام بصلاة الظهر أو العصر -مثلًا- جاء في الشرح الكبير للدردير المالكي متحدثًا عن فرائض الصلاة: (و) ثالثها (نية الصلاة المعينة) بأن يقصد بقلبه أداء فرض الظهر مثلًا. انتهى
فإن أحرم الشخص في صلاته مترددًا في النية, هل يقطع هذه الصلاة أم يتمها؟ فصلاته باطلة لعدم الجزم بالنية, جاء في المغني لابن قدامة: وإذا دخل في الصلاة بنية مترددة بين إتمامها وقطعها، لم تصح؛ لأن النية عزم جازم، ومع التردد لا يحصل الجزم. انتهى
وإذا تردد المصلي بعد الدخول في الصلاة هل يقطعه أم لا؟ فإنها لا تبطل عند بعض أهل العلم, جاء في المغني لابن قدامة أيضًا: فأما إن تردد في قطعها، فقال ابن حامد: لا تبطل؛ لأنه دخل فيها بنية متيقنة، فلا تزول بالشك والتردد، كسائر العبادات, وقال القاضي: يحتمل أن تبطل, وهو مذهب الشافعي؛ لأن استدامة النية شرط مع التردد لا يكون مستديمًا لها، فأشبه ما لو نوى قطعها. انتهى
وفي الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين: وقال بعض أهل العلم: إنها لا تبطل بالتردُّد؛ وذلك لأن الأصل بقاء النيَّة، والتردُّد هذا لا يبطلها، وهذا القول هو الصَّحيح، فما دام أنه لم يعزم على القطع فهو باقٍ على نيَّته، ولا يمكن أن نقول: إن صلاتك بطلت للتردُّد في قطعها. انتهى.
والموسوس يكفيه تعيين الصلاة بالنية الجازمة, كأن ينوي أنه الآن يؤدي صلاة الظهر -مثلًا- ولا يلتفت بعد ذلك إلى ما يشعر به من تردد في النية, ولا يقطع صلاته فهي صحيحة؛ لأنه دخلها بنية متيقنة.
وأنفع علاج للوسوسة هو الإعراض عنها, وعدم الالتفات إليها, وراجع المزيد في الفتوى رقم: 3086.
والله أعلم.