عنوان الفتوى : سافر للحصول على جنسية إحدى الدول الكافرة وترك زوجته وابنه الصغير وأباه

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل يحق للزوج ترك زوجته ، وابنه الصغير ، وأبيه المريض وحدهم , رغما عنهم , ليسافر إلى بلاد الكفر ، بحجة تحقيق حلمه ألا وهو الحصول على جنسية بلد كافر ؟ ثم هل يأثم من ساعد أخته على العيش في بلاد كفر ؟

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق


الحمد لله
أولا:
لا يجوز التجنس بجنسية بلد كافر ، لما يترتب على ذلك من مفاسد كبيرة ، منها الخضوع لأحكام الكفار , والقسم على موالاتهم والدفاع عن أوطانهم , وكل هذا محرم لا يجوز .
جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة – 1 " (12 / 58): " ولا يجوز التجنس بجنسية الكفار؛ لما في ذلك من الخضوع لهم ، والدخول تحت حكمهم " انتهى .
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة أيضا - 1 " (18 / 448) : " لا يجوز لمسلم أن يتجنس بجنسية بلاد حكومتها كافرة ؛ لأن ذلك وسيلة إلى موالاتهم والموافقة على ما هم عليه من الباطل" انتهى .
وينظر إجابة السؤال رقم : (19685).

ويستثنى من ذلك حال الضرورة ، وهي ما إذا كان المسلم مطاردا في بلده ، فارا بدينه ولم يجد دولة تؤويه إلا بلاد الكفر , كما بيناه في الفتوى رقم : (129622) ، مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يحل له أن ينطق بالكفر ، ولا أن يتلفظ به ، وله أن يستخدم التورية والمعاريض ، في التزامه بأحكامهم وقوانينهم .

ثانيا:
لا يجوز للرجل أن يغيب عن زوجته فترة من الزمان دون رضاها , فإن فعل جاز لها طلب الطلاق ، حتى وإن كان ينفق عليها حال غيابه .
وقد اختلف الفقهاء في تحديد أمد هذه الفترة ، فبعضهم جعلها أربعة أشهر , وبعضهم جعلها ستة أشهر , والراجح : أن التحديد يترك لنظر القاضي في النازلة ؛ لأن حاجة المرأة لزوجها مما يختلف باختلاف الزمان والأحوال والأشخاص , قال الشيخ ابن عثيمين " المرأة لها حق على زوجها : أن يستمتع بها ، وتستمتع به ، كما جرت به العادة ، وإذا غاب عنها لطلب العيش برضاها ، وكانت في مكان آمن لا يخشى عليها شيء : فإن ذلك لا بأس به ، لأن الحق لها ، فمتى رضيت بإسقاطه ، مع كمال الأمن والطمأنينة : فلا حرج في تغيبه لمدة ثلاث سنوات ، أو أقل ، أو أكثر ، أما إذا طالبت بحضوره ، فإن هذا يرجع إلى ما لديهم من القضاة ، يحكمون بما يرونه من شريعة الله عز وجل " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وجاء في " فتاوى دار الإفتاء المصرية "(10/5) بترقيم الشاملة : " إن بُعْدَ الزوج عن زوجته -حتى لو وافقت عليه حياء أو مشاركة فى كسب يفيدهما معا- يختلف فى أثره عليها، ولا تساوى فيه الشابة مع غيرها، ولا المتدينة مع غيرها ، ولا من تعيش تحت رعاية أبويها مع من تعيش وحدها دون رقيب ، وإذا كنت أنصح الزوجة بتحمل بعض الآلام ، لقاء ما يعانيه الزوج أيضا من بُعْدٍ عنها فيه مصلحتهما معا، فإني أيضا أنصح الزوج بألا يتمادى في البعد ، فإن الذي ينفقه حين يعود إليها في فترات قريبة ، سيوفر لها ولأولاده سعادة نفسية ، وعصمة خلقية لا توفرها المادة التي سافر من أجلها، فالواجب هو الموازنة بين الكسبين ، وشرف الإنسان أغلى من كل شيء في هذه الحياة ، وإبعاد الشبه والظنون عن كل منهما ، يجب أن يعمل له حسابه الكبير.
ولئن كان عمر رضي الله عنه بعد سؤاله حفصة أم المؤمنين بنته قد جعل أجل الغياب عن الزوجة أربعة أشهر , فإن ذلك كان مراعى فيه العرف والطبيعة إذ ذاك، أما وقد تغيرت الأعراف ، واختلفت الطباع ، فيجب أن تراعى المصلحة في تقدير هذه المدة ، وبخاصة بعد سهولة المواصلات وتعدد وسائلها.
ومهما يكن من شيء : فإن الشابة إذا خافت الفتنة على نفسها بسبب غياب زوجها ، فلها الحق في رفع أمرها إلى القضاء ، لإجراء اللازم نحو عودته أو تطليقها، حفاظا على الأعراض ، ومنعا للفساد ، فالإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار" انتهى.

ثالثا:
إذا كان والد زوجك مريضا ، فإن أولى من يقوم به في مرضه هو زوجته , فإن لم يكن له زوجة ، فالواجب على أولاده أن يقوموا بشؤونه ولا يتركوه للضياع ، فإن حقه عليهم كبير ، ومهما أحسنوا إليه ، فلن يقدروا على أداء بعض حقه عليهم , وقد قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (لاَ يَجْزِى وَلَدٌ وَالِدًا إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ) رواه مسلم (1510) .
قال النووي رحمه الله : " أي : لا يكافئه ، بإحسانه ، وقضاء حقه ، إلا أن يعتقه " .
انتهى من "شرح مسلم" (10/153) .
فإن لم يقدروا على خدمته ورعايته بأنفسهم ، لانشغالهم أو غيابهم ، فعليهم أن يستأجروا له خادما ويتكفلوا بأجرته ، إن كان الأب فقيرا لا يقدر على دفع الأجرة.
فإن تطوعت المرأة بشيء من ذلك ، إحسانا إلى الخلق ، وإحسانا إلى زوجها بمعاونة أبيه : فهو فضل منها ، وبر ، وحسن عشرة ، لا تجب عليها من حيث الأصل ، فلتحتسب ما تبذله من ذلك ، ابتغاء رضوان الله ، وإحسانا إلى زوجها وأهله ، وقد قال الله تعالى : ( وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ) الأعراف/197 ، وقال تعالى أيضا : ( وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) المزمل/20 .

رابعا:
حكم من أعان أخته على الإقامة في بلاد الكفر يرجع إلى حكم إقامتها في بلاد الكفر , والإقامة في بلاد الكفر لا تجوز إلا لمن كان قادرا على إظهار دينه ، آمنا من الفتنة ، أما من عجز عن إظهار دينه ، أو خاف على نفسه الفتنة : فيجب عليه الهجرة إلى بلاد المسلمين , وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (13363).

فإن تحققت في أخته شروط الجواز : فلا حرج عليه في إعانتها على ذلك , وإن لم تتحقق شروط الجواز : فلا يجوز له إعانتها على ذلك ؛ لأنه حينئذ يكون قد عاونها على الإثم وهذا لا يجوز ؛ لأن الله تعالى يقول : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 .
فكما حرم الله علينا معصيته ، حرم علينا أن نعين العاصي على المعصية .
مع التنبيه على أنه لا يجوز سفر المرأة دون محرم لها كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (101520) .
والله أعلم.