عنوان الفتوى : اتفق مع إخوته على النفقة على أمهم المحتاجة ثم خالف إخوته فأنفق وحده على أمه ويريد أن يأخذ ما دفعه نيابة عن إخوته من نصيبهم من التركة قبل تسليمها لهم.
توفى والدي منذ حوالي 5سنوات ، ولدي أخوة وأخوات وأمي ، وبعد فترة سأتسلم تركة والدي المتوفى ، حيث كانت هناك مشاكل في الاستلام ، وحيث إنني الموكل باستلامها من قبل أهلي ، تم استلام جزء منها ، وتم توزيعه حسب الشرع ، ولكن الشاهد أن الوالدة تسكن في منزل مستقل ، وتقريباً أنا المتكفل بكل مصاريفها ، من إيجار وكهرباء ...إلخ وكنا في السابق قد اتفقنا أنا وإخواني بالمشاركة بالمصاريف بالتساوي ، حيث إن دخلنا جميعاً محدود جداً ، لدرجة أني كنت قد دفعت نصيبي من الجزء الأول من التركة بالكامل لسداد قيمة إيجار سكن الوالدة ، وذلك لتخلي إخواني عن المساهمة معي بذلك . السؤال هو : هل يمكنني خصم ذلك من نصيبهم بالتركة قبل تسليمه لهم ، في حال رضوا أم لم يرضوا ؟ وهل ينطبق ذلك على الأخوات أيضاً ؟
الحمد لله
الواجب عليك وعلى إخوتك ذكرانا وإناثا أن تنفقوا على أمكم الفقيرة , لأن نفقة
الأبوين المحتاجين واجبة على أولادهما بالإجماع .
جاء في " الشرح الكبير على متن المقنع " (9 / 275): "قال ابن المنذر: أجمع أهل
العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين الذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد
" انتهى.
وقد اختلف أهل العلم في توزيع النفقة على الأولاد فبعضهم يقسِّمها على طريقة
الميراث فيوجب على الابن من النفقة ضعف ما على البنت وهم الحنابلة , وبعضهم يسوي
بينهما وهم الحنفية , قال ابن قدامة : " وإن اجتمع ابن وبنت فالنفقة بينهما أثلاثا
كالميراث. وقال أبو حنيفة: النفقة عليهما سواء؛ لأنهما سواء في القرب " انتهى من "
المغني " لابن قدامة (8 / 219).
ولعل الأقرب في ذلك : هو
مذهب المالكية ، الذين يقسمون النفقة بحسب يسار الأبناء .
جاء في " الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني " (2 / 69): " إذا كان
الولد متعددا ، ووجب عليه نفقة أبويه ، أو أحدهما : فإنها توزع على الأولاد حسب
اليسار ، على أرجح الأقوال " انتهى.
وفي " حاشية الصاوي على الشرح الصغير " (1 / 675): " ...... ونفقة الوالدين؛ فإنها
توزع على الأولاد بقدر اليسار ، لا على الرءوس ، ولا بقدر الميراث " انتهى.
وعلى ذلك : فالواجب عليكم أن تتكافلوا جميعا ، كلٌّ بحسب وسعه ويساره ، لكفالة أمكم ، وتوفير ما يلزمها من مسكن ومأكل ومشرب وملبس وعلاج , فإن حق الأم عظيم , ولتعلموا أنكم مهما بذلتم وضحيتم وأعطيتم وأنفقتم على أمكم فلن توفوها بعض حقها عليكم.
وما دمتم قد اتفقتم على أن
تكفلوا أمكم في نفقتها بالتساوي : فالواجب على إخوتك أن ينفذوا هذا الاتفاق ، وأن
يوفوا بهذا العهد .
فإن أخلوا بالاتفاق ، وقمت أنت وحدك بالإنفاق على أمك ، فينظر حينئذ في نيتك :
فإن كنت قد نويت بما أنفقته على أمك التبرع لها به : فلا يحق لك أن ترجع لتطالب
إخوتك بما أنفقته .
وإن كنت أنفقت على أمك بنية الرجوع على إخوتك بنصيبهم من النفقة : فيحق لك حينئذ
الرجوع عليهم .
جاء في " الموسوعة الفقهية الكويتية " (21 / 113): " القيام بعمل نافع للغير بدون
إذنه, وهو نوعان : النوع الأول : أن يأتي بعمل يلزم الغير ، أو يحتاجه ، بدون إذنه
، كمن أنفق عن غيره نفقة واجبة عليه، أو قضى عنه دينا ثابتا في ذمته، ولم ينو
المنفق بذلك التبرع، فإن ما دفعه يكون دينا في ذمة المنفق عنه. وعلى ذلك نص
المالكية والحنابلة خلافا للشافعية والحنفية" انتهى.
وفي هذه الحالة : فإن لم يعطك إخوتك حقك الذي أنفقته على أمك ، فلك أن تأخذه من نصيبهم من التركة قبل أن تسلمها لهم , وسواء في ذلك الذكور والإناث ، لوجوب النفقة على الجميع كما بيناه ,
وهذه مسألة تعرف عند الفقهاء بـ" الظفر بالحق " وهي أنه من كان له حق على إنسان ، وجحد هذا الحق ، وقدر المظلوم أن يأخذ حقه ، فيجوز له أخذه دون زيادة , على الراجح من كلام أهل العلم , وقد سبق الحديث عن هذه المسألة في الفتوى رقم : (27068) , والفتوى رقم : (162369) .
وهذا الجواز في مسألة الظفر مقيد بأمن العاقبة , قال القرطبي رحمه الله في هذه المسألة : " والصحيح جواز ذلك ، كيف ما توصل إلى أخذ حقه ، ما لم يعد سارقا، وهو مذهب الشافعي وحكاه الداودي عن مالك ، وقال به ابن المنذر، واختاره ابن العربي ، وأن ذلك ليس خيانة ، وإنما هو وصول إلى حق" انتهى من " تفسير القرطبي " (2 / 355):
فتأمل قوله - رحمه الله – ( ما لم يعد سارقا) تجد فيه إشارة إلى ما أخبرناك به ، من تقييد هذه الجواز بسلامة العاقبة ، وإلا فلو أن إنسانا ظفر بحقه ، ولكن ترتب على أخذه : أن ينسب إلى السرقة ، ويفضح ، أو يقام عليه الحد : لم يجز له أخذه.
وعليه : فإن ترتب على أخذك لحقك من نصيب إخوتك من التركة ، قبل تسليمها لهم ، مفسدة ظاهرة : فالواجب عليك أن تمتنع عن أخذه ، ثم تنظر بعد ذلك في طريقة أخرى تستوفي بها حقك.
والله أعلم.