عنوان الفتوى : هل هناك علامات يمكن بها للعبد في الدنيا أن يعرف مصيره في الآخرة ؟
كنت أريد أن أعلم إن كان من الممكن أن يوحي الله للإنسان مصيره من الجنة أو النار ، وهو ما يزال في هذه الدنيا, مثلا عن طريق علامة في الجسد ، أم إن هذه وساوس الشيطان .
الحمد لله
أولا :
مذهب أهل السنة : عدم القطع لمعين بجنة أو نار ‘ إلا من ورد الدليل الشرعي في حقه
بذلك .
يراجع جواب السؤال رقم : (731) ، (185515)
.
ثانيا :
القاعدة العامة : أن من أطاع الله ورسوله دخل الجنة ، ومن عصى الله ورسوله دخل
النار ؛ فروى البخاري (7280) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ
الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى ) قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى ؟
قَالَ : ( مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى ) .
إلا أن مصير الخلائق على
التعيين لا يعلمه إلا الله ، ولا يمكن الجزم لأحد بمصير رحمة أو مصير عذاب ، إلا
بالنص الشرعي المعين في ذلك كما تقدم ، فنقطع بأن العشرة المبشرين بالجنة من أهلها
، ونقطع بأن فرعون وهامان وأبا جهل من أهل النار .
كما أننا نقطع أن من مات على التوحيد فإنه يدخل الجنة ، وإن أصابه قبل ذلك ما يصيبه
، ومن مات على الشرك فإنه يدخل النار ، لكن لا نسمي أحدا بعينه في ذلك.
ثالثا :
هناك علامات تدل على صلاح العبد وحسن خاتمته ، وعلامات تدل على فساده وسوء خاتمته ،
لكنها علامات بشارة ، أو نذارة ، وليس شيء منها قاطعا بالنسبة لنا ، وإنما يوكل حال
الشخص المعين إلى رب العالمين .
قال الإمام الطحاوي رحمه الله في بيان اعتقاد أهل السنة :
" نَرْجُو لِلْمُحْسِنِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ،
وَيُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ ، وَلَا نَأْمَنُ عَلَيْهِمْ ، وَلَا
نَشْهَدُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَنَسْتَغْفِرُ لِمُسِيئِهِمْ ، وَنَخَافُ
عَلَيْهِمْ ، وَلَا نُقَنِّطُهُمْ."
وقد روى ابن حبان (6891) ،
وابن أبي شيبة (7/ 100) ، والحاكم (4515) بسند صحيح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ: "
دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ حِينَ طُعِنَ ، فَقُلْتُ: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ , أَسْلَمْتَ حِينَ كَفَرَ النَّاسُ وَجَاهَدْتَ مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ حِينَ خَذَلَهُ النَّاسُ , وَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ ,
وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي خِلَافَتِكَ اثْنَانِ , وَقُتِلْتَ شَهِيدًا , فَقَالَ:
أَعِدْ عَلَيَّ , فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: " وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ
لَوْ أَنَّ لِي مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ لَافْتَدَيْتُ بِهِ
مِنْ هَوْلِ الْمَطْلَعِ ".
ولفظ ابن حبان : " الْمَغْرُورُ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ، لَوْ أَنَّ مَا عَلَى
ظَهْرِهَا مِنْ بَيْضَاءَ وصفراء، لافتديت به من هول المطلع " .
قال الطبري رحمه الله :
" لكل حدٍّ من حدود الله التي حدَّها فيه -من حلالٍ وحرامٍ ، وسائر شرائعه- مقدار
من ثواب الله وعقابه ، يُعاينه في الآخرة ، ويَطَّلع عليه ويلاقيه في القيامة ، كما
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " لو أنّ لي ما في الأرض من صفراءَ وبيضاءَ
لافتديتُ به من هَوْلِ المطَّلَع" ، يعني بذلك ما يطَّلع عليه ويهجُم عليه من أمر
الله بعد وفاته " انتهى من "تفسير الطبري" (1/ 72) .
فهذا يقوله عمر رضي الله عنه ويحلف عليه بالله ، وهو أفضل الأمة بعد نبيها صلى الله
عليه وسلم وبعد أبي بكر رضي الله عنه ، فكيف بغيره ؟
وروى الإمام أحمد في "الزهد" (ص128) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : "
لَا رَاحَةَ لِلْمُؤْمِنِ دُونَ لِقَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " وصححه الألباني في
"الضعيفة" (2/116).
وإنما يستريح من غُفر له ؛
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، رواه أحمد (24399) ،
وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2319) ، ولا يعرف أحد أنه قد غفر له إلا
يوم القيامة .
وعن مُحَمَّد بْن حسنويه قَالَ: " حضرت أبا عبد اللَّه أَحْمَد بن حنبل وجاءه رجل
من أهل خراسان فقال: يا أبا عَبْد اللَّهِ قصدتك من خراسان أسألك عَنْ مسألة قَالَ:
له سل قَالَ: متى يجد العبد طعم الراحة ؟ قَالَ: " عند أول قدم يضعها فِي الجنة " .
انتهى من "طبقات الحنابلة" (1/ 293) .
وينظر جواب السؤال رقم : (10903) ، (184737) .
والله تعالى أعلم .