عنوان الفتوى : تشعر بأنها ستتحول إلى رجل يوما ما

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

أنا فتاة مسلمة بدأت أواجه الكثير من المشاكل منذ أن وعيت على المجتمع وما يحيط بي. وأدركت أن ميولي العاطفية تميل نحو النساء لا الرجال . أنا لست بشاذة جنسيا ، ولكنني أشعر بأنني سأتحول في يوم من الأيام إلى رجل ، فالله قادر على كل شيء . عزفت نفسي عن الزواج لأني أعلم أنني لن أستطيع أن أعيش دور الزوجة ، ولكنني لا أعرف إن كان ما أشعر به يجوز أو لا يجوز . فماذا أقول لوالدي كي يفهم وضعي ؟! ما هي حقيقتي تماماً ، هل انأ مريضة نفسياً أم ماذا ؟ هل ينبغي علي البقاء مع عائلتي ، أم تركهم والعيش بعيداً في مكان مهجور ؟ وما هي هويتي من وجهة نظر الإسلام ؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق


الحمد لله
ما يجب عليك هو فعل أمور مهمة ؛ هي :
الأول :
أن تصرفي عن عقلك وقلبك هذه المشاعر السلبية التي تضطرم في نفسك ، فالله سبحانه وتعالى خلق الخلق سويا معتدلا ، لا يصيبه الاضطراب إلا مع الخلل في حالات مرضية استثنائية ، أما عامة الخلق فهم على قوالب من الإحكام والصنع والإتقان ، الذي لا ينخرم إلا في حالات مرضية حقيقية ، تقتضي العلاج عند المختصين ، فإذا لم تكوني مريضة فعلا ، فليس ثمة تفسير إلا أن ما يخطر في قلبك وساوس وخواطر ، لا بد عليك من دفعها ومحاربتها ، وذلك بصرف النظر عنها ، وتعزيز ما يضادها من مشاعر الأنوثة الحقيقية ، واستشعار نعمة الله سبحانه وتعالى عليك ، والاشتغال بطاعته عز وجل ، فالدنيا لا تنقضي مشاغلها النافعة ، ولا تنتهي فرصها الحقيقية لتحقيق النجاح والصلاح والتقى في الأرض . فإذا شغلت نفسك حق المشغلة في هذه الأمور النافعة ، وصدرت إرادتك الجازمة من داخل عقلك وقلبك برفض كل وساوس الرجولة والتحول إلى الجنس الآخر ، فاعلمي أنك تسلكين السبيل القويم للعلاج ، وستصلين إلى الاستقرار النفسي الذي تبحثين عنه وتنشدينه ، إن شاء الله .
وصدقينا نحن لا نكرر لك كلاما لا تأثير له ، ولا جديد فيه ، بل هو خلاصة تجربة ، وعصارة خبرة ، ندلك عليها رحمة بحالك ، وشفقة على نفسك التي يتلاعب بها الشيطان بمثل هذه المشاعر ، وسوف تكونين أنت السبب الأكبر في معاناتك ، ذلك حين تستسلمين لتلك المشاعر السلبية ، وتدافعين عنها ، وتبررينها بعجزك عن دفعها ، وما ذلك إلا ضعف وخور ، سيؤدي بك إلى المهالك إن لم تحسمي أمرك ، وتعزمي على العلاج والشفاء .
يقول الله عز وجل : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا . وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا . وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا . وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا . ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ) النساء/66-70 .
الثاني :
مراجعة الطبيب المختص ، أو المستشار النفسي المختص ، حتى لو جزمت بأنك غير مصابة بالشذوذ ، فهذه الخواطر التي تعرض في قلبك خواطر مرض قلبي ونفسي ، وربما يكون لهذا المرض عندك جانب عضوي ، يتعلق بخلل في الهرمونات ، أو نحو ذلك ، يحتاج إلى تعامل علاجي لدى المختص .
فلا بد من الاستعانة بجميع الوسائل لمقاومة تلك المشاعر السلبية ، ومحاصرتها ، والطبيب المختص في ذلك ، أمراض الخصوبة وما يشببها ، والمختص النفسي ـ أيضا ـ لديهما من الأدوات والمقترحات ما يساعدك على تجاوز هذا الابتلاء ، إن شاء الله ، فلا تترددي في هذا الشأن ، المهم أن تبذلي جميع الأسباب ، وكوني على رجاء وحسن ظن في الله : أن يكتب لك الشفاء ، بمنه وكرمه .
الثالث :
أن تتأكدي أن مشاعر الرجولة التي تخطر في قلبك مشاعر آثمة إذا استجبت لها ، وامتثلت ما تمليه عليك من مظاهر رجولية ، أو أعمال ذكورية ، أو نفور عن الزواج بهذا السبب ، بل هي من أشد الآثام عند الله سبحانه ، فقد ثبت عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ ) رواه البخاري (5885)، والتشبه لفظ مطلق يشمل المظاهر الشكلية ، والمشاعر القلبية ، متى استرسل الإنسان وراءها ، ولم يجاهدها في نفسه ؛ فكل جنس يتشبه بالجنس الآخر ، ويستجيب لوساوس التشبه الظاهري أو الباطني ، يشمله اللعن والإثم عند الله سبحانه ، وهذا ظاهر معلوم .
الرابع :
إياك أن تستجيبي لدعاوى الشيطان في تأخير الزواج ، بدعوى المشكلة الجنسية ، بل الزواج علاج بإذن الله لهذه المشكلة ، ولكن بشرط أن يصاحبه قرار جازم من جهتك بالعلاج ، وتعزيز كل مشاعر الأنوثة في نفسك ، والاستعانة بالطبيب الذي علمه الله أسباب العلاج أيضا ، ففي هذه الحالة سيكون الزواج سببا لتجاوز الأزمة ، وعلاج المعضلة . أما الاعتزال والانفصال عن سير الحياة الطبيعي فلن يزيدك إلا مرضا وسقما ، سيكون عونا للشيطان عليك .
الخامس :
استعيني على ذلك بالله عز وجل ، بدعائه وسؤاله والالتجاء إليه والتذلل بين يديه ، وبتذكر الموت والبعث والنشور ، فالموت يهدم كل فتنة ، ويطفئ كل شهوة . تحرصين خلال ذلك على تلاوة كتاب الله ، والتدبر في آياته ومعانيه ، وتحافظين على أذكار الصباح والمساء ، التي يحفظك الله بها من كل شر بإذنه عز وجل .
وللمزيد يرجى مراجعة الفتوى رقم : (101169) ، (166525).
والحاصل :
أن مدار علاجك ، الخروج من حالك ومعاناتك مبني على ثلاثة أمور :
1- تقوى الله ، والخوف منه ، والحذر من تعدي حدوده .
2- قوة الإرادة في نفسك ، والتصميم على العلاج ، وعدم الاسترسال خلف المشاعر السلبية .
3- الأخذ بأسباب العلاج الجسدي والنفسي ، ومراجعة المختصين في ذلك .
والله أعلم .