عنوان الفتوى : الدعاء على الأولاد في وقت الغضب
دعا على ولده وهو غضبان من خطأ ارتكبه، فلم يتحكم على نفسه حتى سبه أو دعا عليه، هل يستجاب هذا الدعاء؟
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :-
يقول الله عز وجل : ( وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)
فيخبرنا الله عز وجل عن لطفه ورحمته بعباده ، من أنه سبحانه لا يستجيب لهم ما يدعون به على أنفسهم وقت الضيق والضجر من الدعوة بإهلاك الأموال والأولاد ، وتسرعهم في ذلك وكأنهم يدعون لأنفسهم ، على أنه يجب عدم التوسع في ذلك حتى لا يوافق الدعاء ساعة إجابة ،فيستجاب لها بقدر الله .
والدعاء على النفس والولد منهي عنه كما روى أبو داود عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة نَيْلٍ فيها عطاء فيستجاب لكم).
وروى مسلم وغيره عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون) .
وعن جابر -رضى الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من هذا اللاعن بعيره ؟ انزل عنه، فلا تصحبنا بملعون ، لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم.)
وقد جعل الإسلام من شروط إجابة الدعاء : الدعاء بغير إثم أو قطيعة رحم، لما رواه أحمد عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما من مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذًا نكثر؟ قال: الله أكثر”.
ومن رحمة الله تعالى أنه لا يستجيب الدعاء بالشر غالبًا ، كما قال تعالى : ( ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم )
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية :يخبر تعالى عن حلمه ولطفه بعباده أنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم أو أموالهم أو أولادهم في حال ضجرهم وغضبهم ، وأنه يعلم منهم عدم القصد بالشر إلى إرادة ذلك ، فلهذا لا يستجيب لهم ، والحالة هذه لطفا ورحمة كما يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم أو لأموالهم أو لأولادهم بالخير والبركة والنماء ولهذا قال ” ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم ” الآية ، أي لو استجاب لهم كل ما دعوه به في ذلك لأهلكهم ، ولكن لا ينبغي الإكثار من ذلك كما جاء في الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده : حدثنا محمد بن معمر حدثنا يعقوب بن محمد حدثنا حاتم بن إسماعيل حدثنا يعقوب بن مجاهد أبو جزرة عن عبادة بن الوليد حدثنا جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لا تدعوا على أنفسكم ، لا تدعوا على أولادكم، لا تدعوا على أموالكم ، لا توافقوا من الله ساعة فيها إجابة فيستجيب لكم ” ورواه أبو داود.
وهذا كقوله تعالى ” ويدعو الإنسان بالشر دعاءه بالخير ” الآية . وقال مجاهد في تفسير هذه الآية ” ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير ” الآية هو قول الإنسان لولده أو ماله إذا غضب عليه : اللهم لا تبارك فيه والعنه. فلو يعجل لهم الاستجابة في ذلك كما يستجاب لهم في الخير لأهلكهم
يقول ابن كثير أيضا في تفسير قوله تعالى :(وَيَدْعُو الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا)
يخبر تعالى عن عجلة الإنسان ودعائه في بعض الأحيان على نفسه أو ولده أو ماله بالشر أي بالموت أو الهلاك والدمار واللعنة ونحو ذلك فلو استجاب له ربه لهلك بدعائه كما قال تعالى ” ولو يعجل الله للناس الشر ” الآية ، وكذا فسره ابن عباس ومجاهد وقتادة وقد تقدم في الحديث ” لا تدعوا على أنفسكم ولا على أموالكم أن توافقوا من الله ساعة إجابة يستجيب فيها” وإنما يحمل ابن آدم على ذلك قلقه وعجلته ،ولهذا قال تعالى ( وكان الإنسان عجولا )
والله أعلم .